د. فاروق مواسي

 

 

 

من أحشاء البحر

 

 

 

مركز دراسات اللغة العربيّة- أكاديميّة القاسمي

 

 

الطبعة الأولى 2007

 

 

أخي القارئ، أختي القارئـة:

هذه صفحات في اللغة، كنت قد بدأت كتابتها في زاوية "من أحشاء اللغة" في صدى التربية أواخر سنة 1970 وبدايات سنة 1971، وهي أحاديث في اللغة، تستوحي في عنوانها بيت حافظ المشهور:

أنا البحر في أحشـائه الـدر كامـن

  فهل ساءلوا الغوّاص عن صـدفـاتـي؟

فكانت ست عشرة حلقة حافظت عليها، وأرى اليوم نشرها بعد أن صعب على المهتم بها أن يجدها، وقد سألني عنها أكثر من صديق.....

ثم أضفت لها ما نشرته في المواقع تحت ركن: اسأل د. فاروق مواسي، وخاصة موقع "جمعيـــة المترجمين العرب".... كما أضفت بعض المقالات اللغوية التي رأيت أن أضيفها هنا.

وأرى في ختام تمهيدي أن أعيد ما كنت كتبته في بداية نشري زاوية "من أحشاء اللغة" لأن في كلماتي توجهًا ما زلت أعمد إليه:

"أرجو أن تكون هذه الكلمات وما نبديه حولها من ملاحظات معْلمًا في لغتنا الجميلة، يحفزنا على البحث والتنقيب في أسفار اللغة الوفيرة. فإن رأى أحدكم أنني جنحت عن الجادة فليعذرني مقدمًا ويتكرم علي برسالة تظهر أسباب دعواه، وأعدكم أنني سأمحّص في كل تعبير قبل أن أكتبه، فإن وجدتم شيئًا جديدًا أكن قد ساهمت ولو بقسط زهيد في عملية الغوص للدرر. ولكم تقديري.....

 

فاروق مواسي – باقة الغربية


 

اللغة العربية وأهميتها على ألسنتنا[1]

لغة الفرد هي هويته القومية، وهي مسرح تفكيره، ومجال وجدانه.... فيجدر بالفرد منا أن ينطقها في المستويات الرسمية سليمة الأداء صحيحة العبارة... ننطقها في لغة تأنف من لهجة السوق - هذه اللهجة التي لا تتجاوز مفرداتها ألف مفردة، كما أن الحروف في هذه تُلفظ بمخارج صوتية متباينة تبعًا للمنطقة الجغرافيـــة.

أقول ذلك، وأنا أعي سلاسة العامية على أسَلات الألسنة – في مخاطباتنا البيتية، وفي فكاهاتنا وفي أغانينا، وفي سرعة توصيلها واتصالها، بل في ضرورتها وحيويتها.

وإن لغة الثقافة لدى أي شعب ترتقي صعدًا ما ارتقت أفكاره، ومبنى الجملة يتطور تبعًا لغنى هذا الشعب ثقافيًا...

أما النحو أساس الإشكال فأرى أن نجرب في دورات مكثفة تدريس المرفوعات والمجرورات فقط فيعرف الطالب المنصوبات بعد ذلك، دون جهد....على كل هذه التجربة لم تُمرَّر، ولا نستطيع الحكم على خيبتها مقدمًا...

وأما التراكيب المستجدة فلا أرى غضاضة في أخذ الكثير منها (مع أن بعضهم يرميها بالركاكة أو يصِمها بالعُجمة)، فكل تركيب نستضيفه هو إثراء للغتنا في بِِنيتها، وخاصة ما كان ضمن المجاز والكناية المعاصرة....

أسأل نفسي أحيانًا:

لماذا نفتقد المراجع الأكاديمية في المواضيع العلمية باللغة العربية؟

لماذا نفتقد المسؤولية الجماعية أو الرسمية إزاء اللغة العربية؟

من هنا أصل إلى نقطة هامة، وفي تقديري هي جوهر المسألة: وهي أننا عامةً لا نوقّـر لغتنا، ولا نجلّ أربابها بما يليقون به، فقد نسمع اللفظ الهزيل الكليل، وقد نسمع اللاحن تلو اللاحن (وانتبه في حفلات التأبين- مثلاً)، ونمر على ذلك مر الكرام.... بل قد نجد بيننا من يسخر منك إن حاولت أن تنقد لغة هذا الزعيم أو ذاك، فتصبح أنت الهُـزْأة، فالسياسيون وشخصيات المجتمع أهم من اللغة وإعرابها..

ولا غرابة إذا رأينا - من جهة أخرى - من يحسن عربيته ويبدع فيها، فلا يحظى بأية مزيــة أو ميزة، وبراعته لا تجديه ولن تجزيه شيئًا....ثم إن بعض المسرحيات تستخدم ألفاظًا عن سابق قصد – لإثارة السخرية اللاذعة من هذه اللغة الفصيحة، فيظهرونها وكأنها التشدق والتفيهق، وما مثـَّله عادل إمام وقوله " ألححت إصرارًا... وأصررت إلحاحًا " إلا نموذج على ذلك.

إذن ما العمل؟

يقول فاروق شوشة:

"إن لغتنا ظلت عبر القرون الطويلة بفضل انفتاحها المستمر على الحضارات والثقافات واتجاهها الدائم للمستقبل، وإنها كانت تفقد جدتها وحيويتها ونبضها عندما يتوقف انفتاح أصحابها على الجديد - الذي تزخر به حياتهم، وينغلقون على أنفسهم مضغًا واجترارا، وعندما يصبح الماضي هو مثلهم الأعلى المقدس تتجه إليه رؤوسهم، دون أن تتجه إلى حيث الهدف الطبيعي والغاية الأصيلة – المستقبل (لغتنا الجميلة، ص 8).

من هنا يجب أن نحترم لغتنا ونعتز بمكانتها، بحيث يستطيع المراقب أن يلمس مدى النفع إثر الاهتمام بها، ويلمس الضرر إثر التخلي عنها... فمادة العربية هي مادة وجودنا وقوام حياتنا الروحية، فإذا التزم معلمونا بتدريس موادهم بعربية سليمة ولا غضاضة أن تجنح إلى التسكين (على طريقة بني ربيعة) على طريقة "سكِّن تسلم!") ولكن بجِد – هذه المرة –،..... يستثنى من ذلك ما كان ضرورة بسبب الوصل والتبعية للكلمة اللاحقة، نحو غرفـــة الصف، فشكل آخر (غرفة) ضروري، لأنه لا يمكن تسكين آخرها...

إن لغة القرآن تدعونا إلى أن ندرس طرق التجديد في اللغة – في القياس والنحت والتوليد والاختصار والاقتراض......

وإلى أن يتم ذلك أدعو المعلمين (كلاً في مجاله) إلى أن يقترحوا ترجمات لهذه الكلمات الأجنبية التي تغزو بحدة وبتواتر، وأن يستشيروا من يثقون بلغتهم العربية، وأن يتعاونوا مع اللجنة العليا لشؤون اللغة العربية والمجمع اللغوي في البلاد، وفيهما أساتذة يُشهد لهم بالغَـيْرة على اللغة والحرص على رقيها. وكم يحسن أن تكون الألفاظ المقترحة من غير المشترك، إذ كفانا ما لدينا من مشترك وتضاد وترادف ومثنيات لها أكثر من تفسير - كل ذلك في عصر يتطلب الدقة والتحديد والفهم الجامع المانع.

إن لغتنا هي نحن، وكل تغيير فيها يستوجب أولاً تغييرًا منا في الاتجاه وفي الرؤية "ولا يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم".

 

    من أحشاء اللغة

 

 

الحلقة الأولى -

·        يكثر البعض من استعمال كان بمثابة:

الاستعمال خاطئ ذلك لأن من معاني مثابة:

1-     منزل 2- مرجع 3- مجتمع الناس 4- حجارة حول البئر

 ولا مكان لها هنا..... ويمكن أن نستخدم مكانها: وكأنَّ....

·        أراد أن لا يتكلم.

 النظرة الأولى توحي أن هذه الجملة صحيحة، ولكن النحو يفضل أن تكتب "أراد ألا يتكلم"، ذلك لأن الإدغام واجب إذا كانت أن متصلة بلا والفعل المضارع.

·        وقد أعجبني استعمال "ست" بمعنى سيدة في لغتنا الفصحى. ومن لا يصدق فليقرأ رسالة الغفران

ستِّ إن أعياك أمري  فاحمليني زَقَـفونة

·        ويرفض الأستاذ حنا الفاخوري أن نقول " عدو لدود " على اعتبار أنه شديد العداوة فقط، بل يذكر أن لد معناها غلب في خصومته، فهو لاد وألد ولدود.

أما المتعارف عليه فيريدنا أن نقول عدو أزرق، شر أعداء فلان، أو أعدى الأعادي... الخ.

·        انتبه إلى هذه الأخطاء:

 هل ستلعب؟

هل تلعب الآن؟

هل سامي يلعب؟

 

·        من اختصاص (هل) أن تفيد الاستقبال وتدخل على المضارع. فمن الخطأ أن نقول مع السين التي تفيد الاستقبال:

نحو: هل ستلعب؟ و إنما الصواب: أستلعب؟

وكذلك خطأ أن تقول: هل تلعب الآن؟ لأن الظرف لا يفيد الاستقبال هنا... والصواب:

 أتلعب الآن؟

والضعف في جملة هل سامي يلعب؟ أن الاسم تقدم، والصواب أسامي يلعب أو هل يلعب سامي؟

·        وفي فقه اللغة

دفَّ الطائر...

أزفَّ الطائر...

رفَّ (رفرف) الطائر...

·        فإن كان أجدادنا يقايسون بين هذه المعاني، فما يمنعنا أن نتعرف إليها.

دَفَ - حرك جناحيه ورجلاه لا تزالان على الأرض.

أزفّ - طار قريبًا على وجه الأرض.

رفَّ أو رفرف - حرك جناحيه فوق الشيء يريد الوقوع عليه.

·        وسؤال آخر: ما هو جمع لفظة (أخ)؟

 

 قبل أن نتسرع في الجواب علينا أن نعرف أي أخ نعني، فإذا كان ابن الأم فجمعها إخوة وأُخوة، وإن كانت بمعنى صديق في مذهب فجمعها إخوان كقولنا " إخوان الصفاء "، وبالطبع هذا هو الغالب، مع أن هناك من يرى رأيًا آخر - في عدم التفريق بينهما.

والآن صديقي: هل تدري أن الفتى يوم العرس يسمى عَروس وجمعها عُرُس، أما صاحبته التي يُزف إليها أو تُزف إليه فهي كذلك عروس وجمعها عرائس. والعقبى لمن لم يتزوج.

كتب أحدهم:

إن زرتني إذن أكرمَك.

والصحيح يجب أن نكتب إذًن، لأن من شرط (إذن) الناصبة أن تكون في صدر الجملة ومتصلة بالفعل. على هذا فلفظ هذه الكلمة بالصورة الصحيحة يمكن أن تلاحظه من خلال هذه الجمل:

قال لي: سأقدم لك هدية...

قلت له:

إذن أشكرَك.

وهناك من يجعل (إذن) للناصبة، بينما (إذًا) لغير الناصبة...

بينما المبرِّد يود لو يكوي يد كل من يكتبها بالألف - (وعن المبرد: أشتهى أن أكوي يد من يكتب إذن بالألف، لأنها مثل أن ولن ولا يدخل التنوين في الحروف) انظر: الجنى الداني في حروف المعاني لابن أم القاسم المرادي، ص 11.

ويضيف المؤلف المرادي:

".... فإن ألغيت كتبت بالألف، لضعفها، وإن عملت كتبت بالنون. وقال صاحب رصف المباني:  "والذي عندي فيها الاختيار أن ينظر، فإن وصلت في الكلام كتبت بالنون، عملت أو لم تعمل، كما يفعل بأمثالها من الحروف. وإذا وقف عليها كتبت بالألف، لأنها إذ ذاك مشبهة بالأسماء المنقوصة، مثل: دماً، ويداً. والله أعلم "

(ن. م.)

    والآن صديقي القارئ رافقني إلى ثلاثة مصادر لنرى الفرق بين معانيها:

الرؤية والرأي والرؤيا.

أما الفعل فلا نختلف عليه، وأما المصادر فقد جاء في كتب اللغة أن الأولى للإبصار، والثانية لما يراه العقل، والثالثة لما يراه النائم.

فالاختلاف في المصدر أحيانًا يكون في التشكيل مثل ضُعف و ضَعف.

أما الضُعف (بالضم) فهو للجسم ،وأما الضَعف (بالفتح) فهو للنفس.

 وجميل بنا أن نميز بين العمى والعمَــــه: فالأولى في العينين ، والثانية في الرأي.


الحلقة الثانية:

أسماء لمسميات مختلفة

وضع المجمع اللغوي العربي في القاهرة سنة 1934 هذه الاصطلاحات أدناه. وقد راعى الاعتماد على نصوص معجمات الألفاظ ومعجمات المعاني.

في الآلات والأدوات

المِذياع للراديو. وقد ورد في تاج العروس أن المذياع هو الذي لا يكتم السر. وهل رأيتم أوشى منه – أما جمع مذياع فهو مذاييع. (من منكم يستعملها؟)

المِجهار – وهو الميكرفون.

المِجْهر – الميكروسكوب.

المِزفَّة – المحفة تزف فيها العروس، وتستعمل لسيارة العروس.

المِسلفة – أداة لتسوية الأرض.

الثُّريـّا – وهي مجموعة المصابيح المعلقة في الغرفة، وقد سميت تشبيهًا بالثريا، وهي كوكب مؤلف من عدة نجوم صغيرة ذكرها امرؤ القيس.

إذا ما الثريا في السماء تعرّضت       تعرضَ أثناء الوشاحِ المُفـَصَّل

(يذكرني هذا البيت بتحدي الدكتور محمد النويهي الناقد المصري أن القليل الأقل من يستطيع أن يفسره.)

المِمطرة – وهو ثوب يلبس في المطر. وقد أكثر الكتاب مؤخرًا من استعمال مَطَرية للمظلة الواقية من المطر.

النِّفط – (بكسر النون) وهو زيت البترول. وقد عرفه العرب القدماء باسم "زيت الصخر "، وهو الترجمة الحرفية لكلمة (بتروليوم) المؤلفة من كلمتي " بتر " وهي الصخر و " أوليوم " وهي الزيت.

ومن الطريف أن نذكر أن النفط شاع استعماله منذ نهاية القرن الأول للهجرة. ومما يدلنا على ذلك ملاحاة وقعت بين نِفطويهِ العالم النحوي وبين الشاعر ابن دُرَيد صاحب الجمهرة، وذلك في أوائل القرن الثالث. قال نفطويه:

                  ابن دريــد بقــره    وفـيـه لــؤمٌ وشـــرَهْ

                  قد أدّعى من جهله وضعَ كتاب الجمهره

فرد عليه ابن دريد:

           إن لـذا النحو وأصحابــه   قد صار من أصحابه نفطويه

           أحرقه الله بنصف اسـمه   وصيّر الباقي صـراخـًا علـيه

وأرجو أن تكون النكتة واضحة هنا.

بناء البيت.

قال تعالى: " يا هامان ابن لي صرحًا لعلي أبلغ الأسباب ".

الصرح أو الأُطُم يطلق على كل بناء عال.

أما كلمة " الأطم " فقد وردت في الشعر الجاهلي.

           وتيماءَ لم يترك بها جذعَ نخلة

                                             ولا أُطُمًا إلا مَشيدًا بجَنْدل

 إفريز الحائط: هو الكرنيش البارز قليلا، فإذا زاد سمي الطَّـنَـف.

الوشيعة: نطلقها على الحواجز الحديدية أو الخشبية التي على الأسوار ونحوها. وقد لاحظت في كتاب " الفتوح " لابن أعثم الكوفي – وهو كتاب مخطوط – استعمال كلمة درابزين - التي ربما تبدو لنا محدثة.

" ثم بسط (يعني عبد الله السفاح) يديه فازدحموا عليه بالبيعة حتى كسروا درابزين المقصورة". فإذا جاز لهم أن يستعملوا درابزين فما يمنعنا منها الآن؟؟

على هذا أرى دعوة الدكتور طه حسين إلى امتلاك اللغة كما تصرف رجال اللغة القدماء حرِية بالقبول في ظروفنا التي تكثر فيها المصطلحات العلمية الحديثة، وأن كل تزمت يحول دون ارتباط في عالمنا الواسع القائم على التجديد يؤدي بنا إلى الركود، وهذا يقتل العصارة، والعصارة لا بد لها من دورة دموية.

يقول ميرون، المثّال اليوناني: " لا يجب استنباط الأشياء من الكلمات ، بل الكلمات من الأشياء ".

لهذا أرى أن استعمال التلفزيون رائق ربما أكثر مما يروقني استعمال المرناة (أو المرياء كما شاء أديبنا محمود تيمور...) وحبذا الاهتمام بالمعنى أكثر من المبنى.

ومن يجد حرجًا في هذه الكلمات الدخيلة فليضعها بين هلالين ولا ضير عليه.

ولكنا مع ذلك يجب ألا نجنح عن الجادة، وفي جنوحنا لا نعمد إلى أي تقويم في لغتنا مما قد اتُفق عليه، لأننا في قصورنا نقع في فوضى لغوية أو ننصهر في لغة أخرى - شأنَ بعض شبابنا ممن يعملون في تل أبيب وحيفا يخاطبون أمهاتهم بلغة عبرية مرهقة أو بعربية لكناء.

ولا شك أنكم تعرفون قصة الغراب.

الحلقة الثالثة:

عمرو

إذا سألت لغويًا: لماذا نضع هذه الواو أجابك للتمييز بينها وبين "عمر" الممنوعة من الصرف. نقول:

جاء عمرٌو وعمرُ .

رأيت عمرًا وعمرَ .

مررت بعمرٍو وعمرَ .

فواو عمرو تحذف عند النصب. (لماذا؟)

كان داود باشا أحد وزراء الدولة العلية محتارًا في سبب هذا الاعتداء الصارخ على عمرو، إذ أن أغلب النحويين يأتون بأمثلة الضرب:

" ضربَ زيدٌ عمرًا " و " ضرب زيد عمرًا ضربًا مبرحًا " وهكذا.

 فلم يجبه أحد.

وبقي علماء اللغة والنحو معرَّضين لسخرية الوزير... إلى أن وافاه أحد العراقيين وقال له:

لقد سلط الله زيدًا على عمرو لأنه سبق أن سرق.

-         ماذا سرق؟

-         سرق الواو من جناب حضرتكم – داود – فجزاه الله شرًا.

وعلى ذكر عمرو: عاتب أبو سعيد الرستمي الصاحب بن عباد، قال له:

           أفي الحق أن يعطى ثلاثون شاعرًا

                                   ويحرم ما دون الرضى شاعر مثلي

           كما ألحقت واو بعمرو زيادة

                                      وضويق بسم الله في ألف الوصل

والشيء بالشيء يُذكر، فقد ذكر أبو نواس في شعره عن الزيادة الشكلية فقط:

             قل لمن يدعي سليمى سفاهًا

                                        لستَ منها ولا قلامةَ ظُـفــــــر

             إنما كنت من سليمى كواو

                                       أُلحقتْ في الهجاء ظلمًا بعمرو

bullet قلت لصديقي: أنت شاطر. وكان صديقي ممن ينقب في دقائق اللغة، فنبهني إلى أن معنى (شاطر) خبيث، وكان من الأفضل أن استعمل كلمة " حاذق ". قلت له معجبًا حقًًا:

 إنك فنان !

وإذا به يقطب عن جبينه مخاطبًا إياي:

 أهكذا تشتم أصدقاءك؟

-         معاذ الله !

-         ألا تعرف أن معنى " فنان " حمار الوحش؟

ولكني يا صديقي خاطبتك بلغة اليوم، والخطأ المشهور أفضل من الصحيح المهجور.

-         إني أراك غواصًا تبحث عن صدفات اللغة في بحرها الواسع، فما يضيرك لو استعملت كلمة مِفَن؟

-         قبلتها، ولكن مَن من القراء يقبلها؟

-         إذن، لنقل " فنان " على بركة الله ! فحتى الحمار الوحشي له فنون في العدو أي له طرق، فلنتقبل ذلك مجازًا ! ولماذا لا أقول: " حسنًا لأننا قبلنا.."

* * * *

 

والآن، إلى بعض الأخطاء الشائعة التي جمعها لنا أصحاب المشوِّق وقد تحريت عن السبب وأرجو أن تبحث أنت أيضًا.

 

       الخطأ                    الصواب                        السبب

انصاع لمشورته                انقاد               معنى انصاع انفتل راجعًا

  صفار البيض                  المُحّ                 لم ترد " الصفار " في

                                                                  كتب اللغة.

هذه الضوضاء          هذا الضوضاء           الضوضاء اسم مذكر

  الطابق الثاني             الطبقة الثانية   الطابق معناها مقلاة أو نصف الشاة

ظريف المعشر          ظريف العِشرة            المَعْشر هم الجماعة

     عَمّر بيتًا                     بنى            عمر جعله أهلاً أو عاش طويلاً

    تعهد لي أن              عاهدني على        تعهد معناها تحفظ به وتفقده

    بالكاد يكفيه                  لا يكاد               لم ترد "الكاد" في اللغة

أنعم به من رجل          يا له من رجل               --------------

    نوه بالشيء         عرض، ألمع، أشار     نوه بالشيء رفع من ذكره.

 

الحلقة الرابعة:

لو قلت لك أنت مُلِم بهذا الأمر لتبادر إلى ذهنك أن هذا نوع من الإطراء، ولكن وبعد أن تتأكد تجد أن (ألم بالأمر لم يتعمق به).

كذلك ربما يحدث الالتباس في معنى (زعلان) و (عرْص) في هذا الحوار:

-         ما لي أراك عرْصًا؟

-         وأنت مالك زعلان.

طبعًا نحن لا نتوقع هذا الكلام في لغة الحديث، وإلا فإن اللفظة الأولى يكون من ورائها شأن أي شأن.

فعرص تعني حسب المعاجم مضطرب. وزعلان في اللغة نشيط.

·        قال لي صديق: قد لا أكون يوم السبت في الناصرة.... وإذا قررت السفر فسأسافر لوحدي.

لنلق نظرة على جملته:

نعرف (أن) قد تفيد التعليل أو الشك إذا سبقت المضارع: قد يحدث. وتفيد التحقيق أو اليقين إذا سبقت الماضي: قد حدث.

والسؤال: هل خطأ أن نقول: " قد لا أكون.... "؟

والجواب أن استعمال (قد) غالبًا يأتي مختصًا بالفعل المتصرف الخبري المثبت. على هذا نفضل القول: ربما لا أسافر.....(ومع ذلك، وجدت في مادة (ذام) في لسان العرب بيتًا من شعر أنس بن نواس المحاربي:

وكنتَ مُسَوَّدًا فينا حميدًا   وقد لا تعدم الحسناء ذامــــا

أما الخطأ فهو في قوله لوحدي، والصحيح: وحدي، بدون اللام.

وهذه الكلمة " وحدي " حال منصوبة. وتأتي مجرورة بالإضافة في حالة تباعها لنسيج وعَرير، فتقول أنت نسيج وحدِك في لعب الكرة، وأقل من ذلك بل يندر أن تقول: أنت عرير وحدِك في لعب الورق.

* * * * *

ومن سموا أو لقبوا لقبًا استدعته كلمة من أحد أبياتهم الشعرية:

 المُهلهِِـل وهو خال امرئ القيس، وقيل إنه أول من هلهل الشعر قال:

لمَّا تَوَعَّرَ في الكُراعِ هَجِينُهُمْ

 

َهلْهَلْتُ أَثْأَرُ جابرًا أَو صِِنْبِلا

المتلمس: واسمه جرير بن عبد المسيح خال طرفة وصاحب الصحيفة المشهورة باسمه - التي تضرب لكل من يحمل حتفه بيده قال:

فهذا أوان العِرض جُنَّ ذُبابُه       زنابيرُه والأزرقُ المتلَمِّسُ

                                                

النابغة: زياد بن معاوية، قيل إنه سمي لنبوغه كالماء بعد أن اكتهل قال:

................. وقد نبغت لنا منهم شؤون.

طرفة، و معلقته قمة في الشعر العربي، لما لها من ذاتية صادقة ووجدان صاف.

ومعنى طَرَفة لغويًا نبات الأثل، لكنه سمي بهذا الاسم – وكان اسمه عمرو بن عبد – لقوله:

لا تَعجَلا بالبكاء اليوم مُطَّرِفًا       ولا أميريكُما بالدار إذ وقفا

فكلمة (مطَّرفًا) هي التي لقبته بطرفة، والاسم هو بفتح الطاء وبفتح الراء.

الممزق: وهو شأس بن نهار، فقد قال:

فإن كنت مأكولاً فكن خير آكلي      وإلا فأدركْني ولمّا أمزقِِِ

وهذا البيت كتبه عثمان بن عفان ساعة حصاره إلى علي بن أبي طالب. وقد بقيت مدة طويلة أظنه للخليفة عثمان حتى تعرفت على شأس الممزق.

وهذا ما حدث لي في قولة الحجاج الصائتة:

أنا ابن جَلا وطلاعُِ الثنايا    متى أضعِ العِمامة تعرفوني

وإذا ببيت الشعر هذا هو لسُحَيم بن وَثيل في قصيدة يتحدى فيها الشاعرين الأخْوص والأبَيرد، وكانا شابين يافعين تحدياه في الشعر وهو هرِم، فأحفظه ذلك ومنها:

          وإن مكاننا مـن حمـيــري   مكانُ الليث في وسط العرينِ

          وماذا يدّري الشـعراء مـني     وقد جاوزت حـد الأربعينِ

          أخو خمسين مجتمعًا أشُدي   ونجدّني مـداورةُ الشــؤون

           وإني لا يعود إليَّ قِــــرني    غــداة الغــِبِّ إلا في قـريـن

أرجو أن نلفظ قــِرن (بكسر القاف) لأن معناها مثلي في الشدة، أما إذا لفظناها بفتح القاف فهي مثلي في السن أو مائة عام، أو ما ذهب يطلبه الحمار فعاد مصلوم الأذنين.

 

الحلقة الخامسة:

هواة القواعد سيجدون في هذه الحلقة مجالا لإشباع هوايتهم، فيعارضون أو يؤيدون. وأرجو ألا تشترطوا علي إثارة نقاط لا تعرفونها.

لنتصفح كتاب النحو الواضح ونقف عند نقاط كنا نمر بها مر الكرام.

وأول نموذج للإعراب يطالعنا هو "الوسادة فوق السرير". ولسنا هنا نعالج فحوى الجملة... وإنما هو إعراب فوق. وقد ورد أنها "ظرف مكان منصوب بالفتحة وهو خبر المبتدأ".

وتردد ألسنة الصغار هذا الإعراب غير الدقيق. ويقيني أن ابن عقيل وابن هشام سيبويه والشرتوني وحسن عباس يعربون: الظرف متعلق بموجود وهو خبر.

التقيت بالمرحوم حنا إبراهيم، وكان متضلعًا في اللغة، وله حسن الثناء.

قال لي: "إني لأعجب لماذا لا تعلمون أن الظرف وحرف الجر متعلقان بالفعل". وقد كنت أظن الأمر صعبًا ككل بداية، لكن يسر الأمر عندما أعرب الطلاب جملة "اللؤلؤ في البحر" هكذا:

اللؤلؤ – مبتدأ مرفوع بالضمة الظاهرة على آخره.

في – حرف جر.

البحر – اسم مجرور بفي وعلامة جره الكسرة. وشبه الجملة (الجار والمجرور) متعلق بموجود (أو كائن أو حاصل) وهو خبر.

ففهموا الجملة على أنها: اللؤلؤ موجود في البحر، حتى إذا ما تعلموا في المستقبل مواضع حذف الخبر فهموا هذا جيدًا واستساغوه؛ فلماذا لا يعرفون أن الخبر في الحقيقة محذوف في جملة "الوسادة فوق السرير"؟

وهذا بالطبع ينطبق على خبر النواسخ حين يكون شبه جملة (ظرف أو جار ومجرور).

* وفي درس تقسيم الفعل إلى صحيح ومعتل، يتبين للبعض أن "اللفيف المفروق" و"اللفيف المقرون" لهما حكم خاص في الصرف، والواقع أن اللفيف بنوعيه هو فعل ناقص ينطبق عليه ما ينطبق على مثل (رمى)، والمفروق منه في أوله يتبع المثال.

·      وفي درس المستثنى يعرب البعض "إلا" في جملة: ما صاحبت إلا الأخيار على أنها أداة استثناء والصحيح أنها أداة حصر، ويمكن أيضًا:

 أداة استثناء ملغاة.

فإذا لم يكن الاسم الواقع بعد إلا مستثنى منصوبًا، تعرب: أداة حصر. أما إذا قلنا "ليس رجال إلا رجالك" ونعني بها غير رجالك فإعرابها هنا نعت.

وقد أثارت (غير) و(سوى) الكثير من النقاش في طريقة إعرابها، فنحن نعرف أنه يثبت لهما من أنواع الإعراب ما يثبت للاسم الذي بعد "إلا" ، ولكن كيف نعرب (غير) في جملة: "اتقدت المصابيح غيرَ واحد"؟

نعرب غير في هذا الوضع اسمًا منصوبًا على الاستثناء، ولا يجوز أن نقول :

 "مستثنى منصوب"، لأن المستثنى في هذا الواقع هو كلمة (واحد).

ولا أجدد شيئًا إذا قلت أن الاسم المستثنى بغير وسوى مجرور بالإضافة، لكون "غير" و "سوى" اسمين؛ ويقطع المستثنى عن (غير) لفظًا إن فهم معناه وتقدمت عليه ليس أو لا. وفي هذا المعنى يجوز الرفع والضم والنصب والفتح عند حذف المضاف إليه فنقول:

قبضت عشرة ليس غيرُها وليس غيرَها وليس غيرٌ وليس غيرُ وليس غيرًا وليس غيرَ أي ليس إلا.

·        أذكر أنه في إحدى مدارس المثلث نوقش إعراب هذه الجملة:

جاء الرجل المهذب أخوه، الواردة في درس النعت الحقيقي والسببي.

ويقينًا أن الطالب يصعب عليه معرفة عمل اسم المفعول عمل الفعل المجهول، وأن "أخو" نائب فاعل. ثم إن بعض الأمثلة المعطاة للإعراب والمناقشة لم يدرسها الطالب آنفًا فيقع في حِيصَ بِيص.

* في ظن البعض أن (لام التعليل أو الجحود) تكفي للدلالة على الإعراب، والصحيح أنها حرف جر. ففي جملة: جئت لأصالحك، نعرب (أصالحَ) فعل مضارع منصوب بأن مضمرة جوازًا بعد لام التعليل. والمصدر المؤول من أن المضمرة والفعل في محل جر باللام. وهذا الإعراب طبعًا صعب على الطالب، ولكننا مع ذلك نفترض فيه أن يتقدم إلى امتحان (البجروت) وهو على معرفة به، الأمر الذي لا ييسره له النحو الواضح بأجزائه الستة.

وهناك كثير من النقاط التي لم نحفل بها، وما زلنا نمر بها مر الكرام.... وربما كان هذا أخف وطئًا ولكنه ليس أقوم قيلا.

 

الحلقة السادسة:

الأضداد

كلمة ضد في اللغة لها معنيان متقابلان متضادان: فهي تدل على المخالف، وتدل كذلك على النظير والمثل.

وجمع (ضد) أضداد. ويمكن أن تبقى على حالها بلفظة المفرد (مثل فُلْك بمعنى سفينة وسفن).

قال أبو عبيدة – وهو راوية عربي – يهودي الأصل – في باب الأضداد من كتاب " الغريب المصنف ": سمعت أبا زيد الأنصاري يقول السُّدْفة في لغة تميم هي الظلمة وفي لغة قيس هي الضوء. وكذلك تقول بنو عقيل (لمَقت الشيء) أي كتبته، وفي قبائل أخرى تعني " محوته ". و (سجد) عند طيئ تعني انتصب وعند كثير من القبائل بمعنى انحنى.

نفهم من ذلك أن سبب نشوء الأضداد يعود إلى القبائل. وعندما دونت الكلمات في معاجم لم يجدوا حرجًا في جعل الكلمة تعني الشيء ونقيضه.

ويحدثنا الأزدي عن رجل من بني كلاب قال له الملك:

 ثِب !، وكان يقصد في لهجته " اقعد ". فما كان من الرجل إلا أن طفر من حالق، ويعلم الله ماذا كان من أمره.

وقد أعجبني تعليق للدكتور منصور فهمي، وكان عضو مجمع اللغة العربية في مصر. أن كلمة (لحم) تحمل نوعًا من التضاد في لغتين مختلفتين كانتا في الأصل واحدة. فهي بالعبرية خبز أي مادة نباتية كانت غذاء العبرانيين، وهي في العربية مادة حيوانية - وهي غذاء العرب سكان البادية ورعاة الأغنام...

ويرى المستشرق جيز أن الكلمتين تربطهما وشيجة معينة فمثلاً: جلل التي تعني هين وعظيم يرى جيز أن أصلها גלל العبرية التي تعني دحرج. ويمكن أن ندحرج الشيء الخفيف والثقيل. طبعًا هذا اجتهاد، والمستشرقون يرودون الجدة، وهم تعبوا على لغتنا - أكثر في رأيي - مما تعبنا.

ومن الأضداد كذلك:

الجَوْن وهو الأسود والأبيض

الرجاء وهو الرغبة والخوف

القشيب وهو الجديد والخلق

الظن وهو الشك واليقين

كثب وهو القرب والبعد

السر وهو المخفي والمعلن

وراء وهي خلف وأمام

سرر الشهر وهي أوائله وأواخره

القُرء هو الحيض والطهر

ذُفَر رائحة طيبة ورائحة نتنة

الصريم الليل والنهار

خفي البرق ظهر واستتر

شرى وباع تعني الواحدة معنى أختها.

ولنأخذ كلمة جلل عند شاعرين الأول يقول:

ولئن عفوتُ لأعفونْ جللا     ولئن سطوتُ لأوهننْ عظمي

فسبب عفوه جلل نفسه وعظمتها.

والثاني يقول:

بقتل بني أسَدٍ ربَّهم        ألا كلُّ شيء سواه جللْ

ويقصد هنا بكلمة جلل تافه أو عديم القيمة.

و الجليل على رأي البعض تعني العظيم وتعني كذلك الحقير.

فالفعل جل معناه أستن واحتنك. ومن هنا أخذت معنى الاحترام، لأن كبير السن محترم. و (جل) معناها ضعف.... ومن هنا أخذت معنى الحقارة.

وأنصح هنا بمراجعة كتاب الأضداد للأنباري وهو جامع لا يضاهى.

وأخيرًا لماذا نتعجب من ازدواجية المعنى لكلمة، ألسنا نقول: صعدنا بالمصعد ونزلنا بالمصعد...

 

ملاحظات أخرى

·        الفعل رغب لا يرد بلا تعد بحرف جر.

وتقول رغب عن: بمعنى كره كقوله تعالى: " أترغب عن آلهتنا يا إبراهيم ".

وتقول رغب إلى: اشتاق

رغب في أحب

فمن يرغب في أن يتعلم؟

* كان صاحبنا أبو الأسود الدؤلي مع ابنته يتمشيان فقالت: ما أجمل ُ السماءِ !

قال الأب: نجومُها يا ابنتي.

قالت: أردت أن أتعجب من جمال السماء.

قال لها: إذن قولي ما أجمَلَ السماءَ. فقد حسبتك تسألين.

والخلاصة: أننا إذا أردنا أن نتعجب من شيء في صيغة ما أفعل الـ....وجب أن ننصبه.

 

·        يسألني الطلاب كثيرًا عن الأسماء المذكرة والمؤنثة ويجدون ارتباكًا كبيرًا في أعضاء الجسم. وقد وجدنا حلاً غالبًا:

أن كل شيء من أعضائهم مزدوج فهو مؤنث: يد قوية....أذن طويلة... إلخ.

وما يملكونه مفردًا فهو مذكر: جبين مشرق. صدر متسع. ولكن بعد التحقيق من كل الأعضاء تبين شذوذ الأعضاء التالية: عنق، كبد، كرش، شارب.... وغيرها

الحلقة السابعة

كانت للأستاذ أحمد إدريس سُنّة حميدة يدأب عليها، هي تصحيح بعض الأخطاء الشائعة أمام جمهور المديرين. ومما لفت إليه الانتباه أمام المديرين لفظة تهمهم - " المدراء " التي هي خاطئة، ذلك لأن (مدير) اسم فاعل من أدار، وعلى هذا يجب أن يكون الجمع مديرين. ومثلها (مشير) و(معيل) وغيرها...

فرجاء من " صدى التربية " وسواها من مجلات المعلمين ألا نعود ونقرأ بها " اجتماع المدراء "...

ومن الكلمات التي أفدتها منه " تسلّم ". فلا يجوز أن نقول استلمت رسالة – إلا إذا كانت من حبيب – فاستلم معنا قبل. وهكذا يستلم المسلم الحجر الأسود وقريبه يتسلم رسالة منه بوصوله سالمًا.

الكفاءة:

الكفاءة في لغة الشائع تعني المقدرة والجدارة، ولكن المعاجم تأبى ذلك. فالكفاءة معناها المماثلة، وهو كفؤ تعني نظير (وتجمع أكفاء). على هذا نفهم قوله تعالى " ولم يكن له كفؤًا أحد ".

وندرك قول المتنبي:

إنما التهنئاتُ للأكْفاء       ولمن يدّني من البُعداء

ولربما يسأل سائل: إذن ما هي المقدرة والجدارة؟ نقول له هي: الكفاية وهو كافٍ أو كفيّ بالأمر، جدير به وجمع (كاف) كافون. وجمع (كفي) كفيّون أو أكفِياء...

أما الكلمة كفيف التي تعني أعمى فجمعها أكفّّاء.

ولكن، ومع ذلك، فالمجاز يسمح لنا لأن نقول هو (كفؤ) لهذه المهمة، فإذا كان جديرًا وأهلاً فهو مثيل ونظير لهذه المهمة، وكأنه مطابق في القدرة عليها، وعليه فتصح الكفاءة كما أرى - مع أني شخصيًا لا أستخدمها بهذه الصورة في كتاباتي وخطاباتي.

الرفاه:

كلما أراد أحدهم أن يهنئ صاحبه بزواج كتب له جملة تقليدية بالرِّفاه والبنين. وقد أزعجتني كلمة (الرفاه) هذه ، رغم إمكانية معناها الترفيهي.

وأرى إما أن تكون الرفاهية (دون تشديد على الياء) أي هدوء البال والسعادة، وإما أن تكون الرِّفاء وتعني الوفاق.

إذن، فلنقل للصديق الذي تزوج مؤخرًا بالرِّفاء والبنين (مع أن هناك بعض ما رُوي على لسان الرسول عليه السلام أنه قد تحفظ من هذا الدعاء)، وحبذا أن نجدد في التعابير دائمًا؟

المتوفّي:

واعتدنا كذلك أن نلحظ من على صفحات الجرائد " كان المتوفي تغمده الله برحمته طيب القلب "...، ولو درينا من هو المتوفي لاستغفرنا الله.

وكم أحرى بنا لو قلنا المُتَوَفى، ولا أخال أحدًا يجهل من المتوفي فهو الله، أو وكيله عزرائيل، أو أي شيء آخر..... ومع ذلك فهناك من برر اللفظة بدعوى أن عليًا كرم الله وجهه كان يقرأ الآية "والذين يَتَوفَّوْن منكم...." بالبناء للمعلوم، وفي لسان العرب: توفّي فلان: استيفاء مدته التي وُفِـيَت له.. (انظر: إميل يعقوب: معجم الخطأ والصواب، حيث يوثق مصادر تجيز ذلك)... ومع ذلك، ففي رأيي أن البناء للمجهول أصح وأكثر منطقًا.

مسرحيتين أخريين؟؟:

كان الأستاذ سليم خوري قد جذبه رنين السجع فجعل كتابه الأخير تحت عنوان: حنين ومسرحيتين أخريين...

سامحه الله فهو أديب... وغلطته بعشر. فما لم تقل "سليم يقدم مسرحيتين أخريين" يجب الرفع.

ألامرأة:

والشاعر سميح القاسم في مسرحيته قرقاش التي وصل بها إلى مستوى فني مرموق يكرر استعمال ألامرأة وهي نادرة الاستعمال في كتب اللغة. لأن "امرأة" إذا دخلت عليها أل التعريف تحذف فيها همزة الوصل = المرأة.

الحلقة الثامنة:

الجريدة والصحيفة

من الكلمات المولدة التي لا غنى عنها في موسوعنا اللغوي الجريدة التي أطلقها أحمد فارس الشدياق "صقر لبنان". وقد أخذها من "لسان العرب" ومن الحديث الشريف: "كتب القرآن في جرائد". والجريدة هي خوص النخل، فإن كان عليها ورق سميت سعفًا.

ولقد نافستها كلمة صحيفة، وهي أشمل في معناها، استعملها أصلا الكونت سليم الدحداح، اللبناني الأصل.

والصحيفة هي الورقة التي نكتب فيها، جمعها صحائف وصُحُف وصُحْف. وفي التنزيل "إن هذا لفي الصحف الأولى * صحف إبراهيم وموسى".

وصحيفة المتلمِّس مشهورة في الأدب، إذ كتب عمرو بن هند، ملك العرب، إلى عامله في البحرين بقتل صاحب الرسالة، فاكتشف المتلمس الخدعة ونجا برأسه. وأذكر أنني قرأت في مصدر ما أن كلمة مُصْحـَف حبشية الأصل، ولكن "البستان" قاموس عبد الله البستاني يقول "سمي المصحف مصحفًا لأنه أُصْحِف أي جعل جامعًا للصحف المكتوبة بين الدفتين".

وقبله قال الفراء إنها مصحف (بضم الميم أو كسرها) وفي "القاموس": الصحفي الذي يخطئ في قراءة الصحف. وفي المعاجم التي استوعبت الكلمات المولدة الصحفي هو الذي يتلقى العلم عن صحيفة لا عن أستاذ، والمحرر يدعى صِحافيًا.

أما المُصَحِّف فهو منقح اللغة ومهذبها، غير أن (صحَّف) أيضًا تعني أخطأ في القراءة أو حرفها عن وضعها.

وعلى سبيل الفكاهة أو الطرافة أسوق هذين البيتين في وصف بخيل:

رأى الصيف مكتوبًا على باب داره      فصحّفــه ضيفــًا فقام الى السيف

   وقال لــه خيــرًا فظــــن بأننــــا     نقول له خبزًا فمات من الخوف

 

المجلة :

قال ابن الأعرابي: " قلت لأعرابي ما المجلة – وفي يدي كراسة -.

فقال الأعرابي: التي في يدك.

وهناك أكثر من إثبات أن المجلة كلمة قديمة استعملت بمعنى الصحيفة فيها الحكمة. قال النابغة في إحدى غسانياته "كِلِيني لهمٍّ.....":

مجلـَّتُهم ذاتُ الإله ودينُهم    قويمٌ فما يرجون غيرَ العواقبِ

والشعراء... الغاوون

ترى كم منا يلفظ الكلمة الناقصة جيدًا فيقرأها يَتَّبعهم (بتشديد التاء).

وفي الأمثال:

 أتْبِع الفرس لجامها

أو أتبع الناقة زمامها

أو أتبع الدلو رشاءها.

 وأصل الحكاية لما أغار ضِرارًا على حي عمرو بن ثعلبة أخذ أمواله وسبى نساءه. فلما حضر عمرو لحق بالمغير وطلب قَيـْنته الرائعة، فردها ضرار ،وحبس ابنتها سلمى بنت وائل. فقال له حينئذ اتبع الفرس لجامها، فجرت مجرى المثل. وكم من مثل له قصة تحتاج إلى كشف.

والآن لو نظرنا إلى القينة الرائعة، ولنفرض أنها كقينة طرفة التي تروح علينا بين بُرد ومُجسَد، فما هي الصفات الدقيقة لها؟

- صباحة الوجه، وضاءة البشرة، جمال الأنف، ملاحة الفم، حلاوة العينين، ظرْف اللسان، رشاقة اليد، لباقة الشمائل. ولا يهمنا بعد إن تعلمنا دقة الوصف أن كانت حقًًا هي كذلك، أم لا. وما أكثر ما نرى على هذه الشاكلة.

 

الحلقة التاسعة

غريب الكلام....

الحق أن لغتنا نبذت الكثير من الكلمات الجاسية حتى أصبحت مأنوسة فيها طاقة إيحائية، ولا نرى بعد من يدعو الأسد بالفدَوْكَس، واختفت كلمات كزّة أمثال الغبطنط... والعشنو والجشرب والقوشب، ومن أراد أن يعرف معانيها فليبحث عن خنفشار.

وخنفشار لقب غلب على رجل ادعى المعرفة وهو جاهل، كان يجيب عن كل سؤال، فاجتمع نفر من العابثين قالوا: هيا نخلق كلمة، وليأت كل واحد بحرف، فتبرع كل منهم بحرف حتى اجتمعت لهم كلمة خنفشار،وما إن حضر صاحبنا المدّعي حتى واجهوه بالسؤال: و ماذا تعني كلمة "خنفشار"؟

ففكر وقدر، ثم أجاب الواثق من نفسه أنه نبات يعيش في اليمن، ومن لا يصدق فليسمع استشهادًا ببيت شعر لشاعر جنّده توًا:

"لقد عقدت محبتكم فؤادي  كما عقد الحليبَ الخنفشارُ"

يذكرني هذا بنكتة بشار، عندما قال على لسان حمار:

                    سيدي خذ بي أتانًا   عند باب الأصبهاني

                    تيّمتـني إذ رأتنـي      بثناياهــا الحســـان

                    ذات غنـــج ودلال  سل جسـمي وبـراني

                    ولهــا خــد أسـيل   مثـل خـد الشَّــيفران


 

سألوه: ما الشيفران؟ أجاب بشار: " هذا من غريب الحمار، اذهبوا واسألوه ! ".

* * * * *

يحكى أن أبا الهندي الذي عاش في العصر العباسي - كان يعمد إلى عويص الألفاظ، فيخاطب خادمه بها، فإذا لم يفهمه طرده شر طردة حتى جاءه " من يعرف البلوط " على رأي المثل، فسأله ذا صباح::

-                     يا غلام هل أصقعت العتاريف؟

-                     زقفليم يا مولاي.

-                     ويحك، وما زقفليم؟

-                     وما أصقعت العتاريف؟

-                     يا لك من غبي، ألا تعرف أنها تعني: أصاحت الديوك؟

-                     ومثلك في فضلك وعلمك، ألا تعلم أن زقفليم تعني لا؟

ويحكى أن أعرابيًا صاد قطًا ولم يكن يعرفه. سأله الأول: ما هذا السِّنَّوْر؟ سأله الثاني: ما هذا القط؟ والثالث: ما هذا الهر؟ والرابع: ما هذا الضَّيون؟ والخامس: ما هذا الحيطل؟ فمنّى الأعرابي نفسه بربح طائل من ورائه، وما عتّم أن قال بعد أن خاب أمله:

 " لعنة الله عليه ما أكثر أسماءه وأقل ثمنه !".

لا ننس ونحن في سيرة القط أن نجمع القط على قِطَطة (وليس القطط).

 

ونقل لنا الرواة أن أم الهيثم وهي أعرابية تعتبر مرجعًا لغويًا آنذاك، نزلت في العراق أيام احتدام النزاع اللغوي بين البصرة والكوفة ؛ دخل أبو عبيدة مع طائفة من العلماء يسألونها عما كانت عليه من مرض فقالت:

" كنت وحْمى للدِّكة، فشهدت مأدُبة، فأكلت جبجبة من صفيف هِلَّعة فاعترتني زُلَّخة ". فلم يفهموا عنها.

قالت إنها لغة قريش:

الدِّكَّة: الدسم.

الجَبجبة: الكرش يملأ بالشحم.

الهِلَّعة: أنثى المعز.

الزُّلَّخة: وجع يصيب الظهر.

فإذا كان أبو عبيدة قد بُهت، فما أحرانا اليوم ونحن أصحاب ذوق آخر أن ننكر هذه الكلمات المتعسفة...... ولعل في دعوة الأستاذ احمد أمين إلى إخراج هذه الكلمات من معاجم الطلاب شيئًا من الصدق.

فليكن مقالنا يسيرًا لينًا نفتش عن المعنى أولاً، ونلبسه الثوب الزاهي، ولكل مقام مقال. ولتكن لنا في قصة النحوي الذي وقع في الكنيف عبرة:

 كان يستنجد بلغة مسجوعة منمقة: هات لي حبلاً دقيقًا ، وشدني شدًا وثيقا ، ثم اجعل ذلك رقيقًا !

.. فما كان ممن حضر ليسعفه إلا أن قال:

 " امرأتي طالق إن أخرجتك ".

 

الحلقة العاشرة

البؤساء

البؤساء: ترجم حافظ إبراهيم رواية البؤساء لفيكتور هوجو في لغة جزلة الألفاظ قوية التركيب، وأهداه إلى الأستاذ الإمام.

واعترف أستاذنا طه حسين أنه استخدم المعجم أكثر من مرة لفهم مقدمته...وقد شنت عليه حملات لغوية أنه أخطأ في الجمع، وعليه أن يستخدم (البؤْس) على نحو ما قال تأبط شرًا:

قد ضقت من حبها ما لا يضيقني   حتى عددت من البؤس المساكين

والرأي أن البؤساء تصح من ناحتين: أن تكون جمع بئيس (بمعنى بائس، فما يمنع ذلك؟)، فإذا قلنا كريم = كرماء، وبخيل = بخلاء فبئيس جمعها بؤساء...ثم إن فاعل إذا كان وصفًا دالاً على سجية وأمر فطري يجمع على فعلاء، نحو: عاقل = عقلاء، شاعر = شعراء، فما المشكلة أن تكون بؤساء جمعًا لبائس أيضًا؟

أحفاد

كلنا نقول هؤلاء أحفاد الجد، ولم أعثر على كلمة أحفاد في المعاجم القديمة، فهي حَفَد وحُفداء وحفدة.

وفي الذكر الحكيم ورد جمع حفيد حفدة (سورة النحل 72):

"والله جعل لكم من أنفسكم أزواجًا، وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة، ورزقكم من الطيبات، أفبالباطل يؤمنون وبنعمة الله هم يكفرون".

تحيك الثوب

ومضارعه حاك: يحوك (في الوسيط تجوز يحيك، بينما أورد لسان العرب على لسان  الأزهري أن هذا غلط، فحاك يحيك معناها تبختر واختال)، ومصدر حاك سماعي: حِياك أو حِياكة.

 ويخطئ من يقول البلد محيط بالجيش. والصواب محوط.

ولمن يجادل بعد.... أقول كما قال معلم لي: "هذا ما نطق به العرب".

سويًا

ونقول ذهبنا سويًا، وهذا خطأ، لأن سويًا تعني من لا داء به ولا عيب أو كاملا مستقيمًا.

قال تعالى:"فتمثل لها بشرًا سويا".

وفي مكان آخر: "قال آيتك ألا تكلم الناس ثلاث ليال سويا". "أفمن يمشي مكبًا على وجهه أهدى أمن يمشي سوّيًّا على صراط مستقيم".

سواء

وقد حاول صاحب "المزهر" أن يفرق بين سواء وسواسية، فجعل الأولى للخير والشر، وخص سواسية بمعنى الشر. وفي هذا غرابة، فهل قصد عمر شيئًا عندما قال: "الناس سواسية كأسنان المشط".

سجل الكتاب

وسجل في المعاجم معناها قرأ قراءة مفصلة....أما الآية: "يوم نطوي السماء كطَيِّ السجل للكتب كما بدأنا أول خلق نعيده وعدًَا علينا أنا كنا فاعلين"، فقد فسرها سيد قطب:

"فإذا السماء مطوية كما يطوي خازن الصحائف صحائفه، وقد قضي الأمر وانتهى العرض وطوى الكون الذي يألفه الإنسان."

 جديلة

لهذه الفتاة جديلة طويلة تسبي متتبعي الحسن حتى تكاد تكون مشنقة على رأي أحد شعرائنا المحليين. وجديلة في اللغة معناها طريقة. ومن قرأ معلقة امرئ القيس يجد وصف الفرع الأسود الفاحم الذي يزين المتن يقول:

غدائرُه مسْتَشْزراتٌ إلى العلا   تضل العقاصُ في مثَنًّى ومرسَلِ

ألا نشتم من غديرتها رائحة " الكوافير ".

بذلة

اشترى الأستاذ بذلة، نبارك !

ولكن ما رأيكم أن نبقيها (بدلة) كما نقولها في لغتنا الدارجة، وإلا فالأستاذ يلبس الثوب الخلق.

ناهيك

كنت أخطئ في استعمالها، فأكتبها وكأنها تعني (بالإضافة إلى) على غرار: "هذا طالب نشيط ناهيك بما يتمتع به من فطنة". والصحيح أنها تدل عن التعجب فنقول: هذا رجل... ناهيك من رجل.

فِطـَحل

وأرجو أن يكون لفظ فطحل بكسر الفاء وفتح الطاء.

و "إلى لقاء" كما يقول فاروق شوشة في برنامج "لغتنا الجميلة".

 

الحلقة الحادية عشرة

اللغة معاناة !

تحاول بعض الكتب الأدبية أن تظهر العربي في العصور الأولى - وكأنه ينطق الكلمات معرَبة...تسعفه سليقة حادة. وهذا أمر غير دقيق....إذ تدل ملاحظات الجاحظ على أن المحادثة السليمة الخالية من اللحن لم تكن تُـنتظر..... إلا من قِبل الأعراب الذين ينطقون اللغة العربية الخالصة، أو من بلغاء القرن الثالث.

وفي ظني أن هذا الإعراب لا يتأتى إلا بعد مغالبة ومجاهدة. قال الرسول الكريم عندما سمع أعرابيًا يخطئ في لغته أي يلحن: " أرشدوا أخاكم فقد ضل ".

وسُمع في العراق لحن " هذه عصاتي " بدل من عصاي.

ونعرف شكوى الرجل إلى علي: " إن أبونا مات وخلف لنا بنون "....

كل ذلك أو نحو ذلك - أدى إلى إنشاء علم النحو.

وهذا لا يعني أن أبا الأسود الدُّؤَلي قد جدد، وإنما قيد ما كان معهودًا آنذاك.

فهذا الخليفة عمر بن الخطاب كان متعصبًا للغته، ضرب ابنه على لحن، وطلب من أبي موسى الأشعري أن يضرب كاتبه لأنه كتب باسمه إليه: " من أبو موسى ".

وهذا أبو الأسود الدؤلي، أستاذ العربية الأول، يسير مع ابنته في ليلة جميلة فتقول ابنته:

ما أجملُ السماء  ، فيقول أبو الأسود : النجوم.

قالت: قصدت أن أقول إن السماء جميلة. قال لها:

إذن قولي: ما أجملَ السماء ! فإن الصيغة الأولى للاستفهام، والثانية للتعجب.

سأل الحجاج بن يوسف يحيى بن يعمر النحْوي أتراني ألحن؟ أجابه النحوي لا، خوفًا من بطشه... وملقًــًا له. ولجَّ عليه الحجاج، وأقسم على النحوي أن يصدقه،  فأجاب : نعم ، إنك تقول:

" قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم  وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشَون كسادَها (أحبُّ) إليكم من الله ورسوله " والصواب (أحبَّ).

ولمن يسأل عن مصير النحوي....فقد نفاه إلى خراسان.

ولعل عبد الملك كان يتوجس خيفة من الخطأ حتى اعترف أن الشيب الذي اشتعل برأسه كان بسببه.

أما في الشعر فقد كنت أتصور بادئ ذي بدء أن الأعراب كلهم شعراء، وذلك بإيحاء من الأستاذ أحمد حسن الزيات (في كتابه تاريخ الأدب العربي) الذي جعل صفاء السماء واتساع أرض الجزيرة مجالا / مسرحًا آهلاً بشياطين الشعر.

ألا ترى أن الشعر معاناة قبل أن يكون موهبة.

هذا عَـدِي بن الرِّقاع من دمشق عاصر جريرًا يقول:

وقصيدةٍ قد بتُّ أجمع بينــَها    حتى أقوِّمَ ميلَهـــا وسنادَها

وقال كعب بن زهير:

 فمن للقوافي شأنها من يحوكُها       إذا ما ثوى كعبٌ وفوَّز جرولُ

  يقوِّمـها حتـى تليـنَ قنـاتُـــــها        فيقصـرُ عنهـا كـلُّ مـا يتمثـل

وسواد بن كراع العكلي " يبيت بأبواب القوافي " والبحتري " ينتقيها كما يُنتقى التبر "، وزهير ننتظره حولا ً، وعبيد الشعر ينظرون إلى لغتهم " نظر المثقف في كعوب قناته ".

وصدق الحطيئة في قولته " الشعر صعب وطويلٌ سلَّمه ".

وهكذا نرى أن اللغة والشعر يحتاجان إلى رياضة حتى ينقاد الأبيّ ويسهل العصيّ.

فالمعرفة هي الكفيل نحو المنشئ والشاعر، وإلا فمصير المنكر مصير من:

"زلّت به إلى الحضيض قدمُه

يريد أن يعربَـــــــــه فيعجمُه"

 

 

 

الحلقة الثانية عشرة

وُجهت إلي بعض الأسئلة منها:

لم بدأت في الحلقة الأولى متعاليًا فقلت:

"وأرجو أن تكون هذه الزاوية وما نثيره حولها معلمًا في لغتنا الجميلة"؟ فكيف تفترض أنها تعلمنا؟ والمعذرة لهذا الصديق، فأنا ما قصدت إلا مَعْلَمًا التي تعني إشارة بارزة، وما كان من أمري التعالي - معاذ الله.

وسأل زميل آخر:

كيف تقول: "وأرجو ألا تشترطوا علي إثارة نقاط لا تعرفونها "؟ كيف تذكر أن جمهرة المعلمين لا تعرف ما تقول؟ وأنا أعتذر ثانية عن عدم الوضوح أو الالتباس الذي أدى بالزميل هذا المؤدى.

وحتى نبسط الأمر ننزع النفيــين من الجملة فنفي النفي إيجاب "وأرجو أن تشترطوا علي إثارة نقاط تعرفونها". أتراني قد بلَّغت؟

وسأل زميل آخر:

ما هو تشكيل مجهر التي أوردتها في الحلقة الثالثة؟ والجواب: مُجْهَر، لأن الفعل أصله أجهر وليس جَهر ومعناها ضخم أو كبير.

وكذلك نقول مُتْحَف لأن الفعل أصله أتحف....(علمًا بأن مَتحف مقبولة، فلا غضاضة على من يستعملها).

وسأل زميل: لماذا نخطِئ عندما نقول الفتاة الساقطة ونفترضها الساقط؟ الإجابة أن الذنب يقع على المطبعة فلقد كتبت: الفُتات الساقط، وربما ظنني عامل المطبعة مخطئًا... وأنني لا أعرف كتابة فـــتاة.

وسأل زميل: لماذا تقول صَحافة وهي صِحافة على وزن فِعالة التي تدل على حرفة؟

وأنا لا أذكر متى قلت ذلك، ومع هذا أذهب إلى ما ذهب إليه الزميل.

وقد وقع لي مع صديق نقاش حول ( كلا)  التي يريدها بمعنى لا.

يسأل المعلم: هل انتصر نابليون في روسيا؟

يجيب الطالب: كلا.

والذنب ليس ذنبه. لنتصفح " شذور الذهب " ونرى رأي شيخنا أبي هشام الأنصاري.

كلا في العربية على ثلاثة أوجه:

1-     حرف ردع وزجر. قال الله تعالى: "كلا إنها كلمة هو قائلها" إشارة إلى قول القائل:"رب ارجعون لعلي أعمل عملاً صالحًا فيما تركت".

2-     بمعنى حقًًا نحو "كلا إن الإنسان ليطغى". وربما فسرت هنا بمعنى - ألا الاستفتاحية.

3-     وترد قبل القسم نحو "كلا والقمر" بمعنى أي والقمر.

فمن أين هذا المعنى  ( لا) لمجرد النفي ؟

وساقنا هذا الحديث إلى إعراب (نعم) و (لا) ، ووجدنا في كتب اللغة:

(لا) أنواع: منها النافية ولها أربعة معان:

أ‌-       نافية للجنس: لا طالبَ في صفه؛

ب‌-  تعمل عمل ليس: لا رجلٌ قائمًا؛

 جـ- نافية للعطف: جاء أحمد لا محمود؛

 د- حرف جواب مناقضًا لنعم.

ومنها لا الناهية وهي معروفة.....لا تحزنْ إن الله معنا....

زائدة لتقوية المعنى: نحو قوله تعالى: " ما منعك ألا تسجد " أي ما منعك أن تسجد.

 

نعم لها أربعة معان:

1-     حرف تصديق. إذا وقعت بعد الخبر: حضر المعلم !

 جوابه (نعم) = أي حضر.

2-     إذا وقعت بعد الأمر أو النهي كانت حرف وعد نحو: ساعد الضعيف ! جوابه: نعم، أي أعدك بذلك.

3-     إذا وقعت بعد الاستفهام كانت حرف إعلام نحو: أجاء أبوك؟

جوابه: نعم، أي أعلمك بمجيئه.

4-     حرف توكيد. إذا وقعت في صدر الكلام: نعم، إن الحقيقة مرة.

 

الحلقة الثالثة عشرة

شوارد لغوية

إذا قال لك صديقك: "أنت بُهلول"... فظن به خيرًا ولا تغضب، فالبهلول هو السيد الجامع لكل خير:

أصبح الملك ثابتَ الأساس        بالبهاليل من بني العباسِ

ولكن إذا داعبك صديقك غامزًا ، وقال لك:"يا أستاذ!" بلهجة مغايرة، فلا تتحمس للقب كثيرًا – هذه المرة -!

... ومن شاء أن يعرف المعنى الآخر لكلمة أستاذ فليراجع ديوان المتنبي قافية الذال وسيتعرف إلى كافور.

كنا في الصف الثاني نقرأ درس الهريسة في كتاب "الجديد" لمؤلفه خليل السكاكيني.

يسأل الأستاذ كيف تصنع الهريسة، فيجيب التلاميذ: نضع اللحم والبصل والسمن وغيرها.... فقال أحد التلاميذ: يا أستاذ يا أستاذ!! – بالمفهوم الحالي –

فقال له الأستاذ: ماذا؟ فقال: نسي الملح. كنا نظن المسألة نكتة وضحكنا جميعًا.

هكذا أوحى لنا معلمنا. وكم من طالب تعلم هذا الدرس خطأ.

فالهريسة هي أكلة – نفس الأكلة الموصوفة في الدرس – وأراد السكاكيني أن يعلم الطالب الدقة، فلا ينسى الأشياء الصغيرة.... فلولا الملح لفسدت أكلة الهريسة.

في كتاب "الجديد" وصايا في أدب الطعام يقول في إحداها:

"قم عن الأكل وبك خصاصة" !

 ويحفظها الطلاب... ومن جملتهم أحد أبناء الكاتب اللبناني أنيس فريحة.

 ولما سأل الابن أباه عن معنى خَصاصة لم يعرف الأديب، فطلع علينا بمقال نقدي يدعو إلى تعليم الأطفال اللغة العامية – سامحه الله ! –

والخَصاصة معناها الحاجة، وترد بمعنى الفقر... أما الخُصاصة فهو ما تبقى بعد الجمع والحصاد في المزارع.

وقد جمعت بعض الكلمات من شتى أسفار اللغة مما يلتبس على البعض.

·        نقول جلس الضيف وسْط القوم أي بينهم، ولكنا نقول وَسَط الدار.

·        نقول بيننا عَلاقة ودية ،  فالعِلاقة هي المِشْجَب.

·        نقول نفـــَذ السهم (ينفــُذ) عبر الحائط... ونفِـــد الطحين (ينفـــَد) من الدار.

·        ونعني بالرُوع النفس والرَوع الخوف. دخل في رُوعه أنه هدأ من رَوْعه.

·        ونقول نشط العقدة شدها، أنشطها: حلها.

·         هجد العاقل: نام، تهجد: سهر.

·        قسط القاضي: جار، أقسط: عدل.

·        حرج المذنب: وقع في الحرج، تحرج: تباعد عن الحرج.

·        ونقول أنت عَدلي أي مثلي في السن، ولا أقول عِدل لأن معناها زنة.

·        ونقول حَمْل الشجرة وحَمْل الأم ،  ولكن حِمل على ظهر الحيوان....    والحَمَل معروف جمعه حملان وأحمال.

·        ونقول الأشعراني طويل شعر الرأس – وما أكثرهم اليوم – والأشعر طويل شعر اليدين.

·        الإدْلاج سير أول الليل. الإدِّلاج سير آخر الليل.

·        ونقول خَصلة حميدة (في الحديث: من كانت فيه خَصلة من خصال النفاق...."، ونقول خُصلة وخَصلة من العنب.

·        ولا نقول الموقف خطير ،  بل الموقف ذو خطر لأن معنى خطير رفيع أو شريف.....وما له خطير تعني ما له مثيل.

ويحب طه حسين أن يدقق بين معاني كأس وكوب وقدح فهو لا يستعمل في ترسله كأسًا فارغًا، فالعرب قالوا قدحًا أو كوبًا أو زجاجة. أما إذا امتلأ فهو كأس. وإليك بعض هذه الكلمات المشروطة في وضع آخر.

القديد هو طبيخ اللحم مضافًا إليه التوابل.

الثرى هو التراب عليه الندى.

الرُّضاب هو الريق في الفم.

الجحفل: هو الجيش الذي يكون به خيل.

الجب: هو البئر الذي لم تحفره يد الإنسان.

السَّغـَب: هو الجوع الذي يرافقه تعب.

العويل: هو البكاء الذي يصاحبه رفع الصوت.

الخاتم: فتحة عليها فص.

المائدة: هي الخوان عليه الطعام.

ومن الأخطاء الشائعة ألقى الخطيب خِطابًا.

والصواب خُطبة، لأن الخطاب يعني المكالمة والمواجهة، ونقيضها الجواب.

ونقول حضرت حفلة الخِطبة. وعلينا أن ننتبه إذا شئنا الدقة في التعبير... فلا نقول هو خطيب بل خاطب - كما نتحدث في لغتنا الدارجة- ، وفي هذه الثانية عذوبة وطلاوة لا يعرفها إلا الخاطبون.

 

الحلقة الرابعة عشرة

نقدات قديمة

إذا كان الأدب تجسيدًا وتقييمًا للحياة، فإن النقد هو تجسيد للأدب وتقويم له. وكلمة النقد لا تعني بالضرورة تبيان المساوئ دون المحاسن، ولكن ألسنتنا جرت على المفهوم السلبي داعية كلمة التقريظ على المفهوم الايجابي.

ولو عدنا إلى الوراء، إلى مصادرنا الأدبية الأولى، لرأينا طرفة يقف ناقدًا للمسيِّب بن عـَلَس عندما أنشد:

وقد أتناسى الهمَّ عند ادِّكاره    بناجٍ عليه الصيعريةُ مُكْدَمِ

يقول طرفة ساخرًا: "استنوق الجمل" والصيعرية هي سمة خاصة بالنوق لا بالجمال تكون بأعناقها.

فكيف لا يقول المسيِّب (أو المتلَمِّس على رواية أخرى) ناجية ومكدمة؟ والجواب عند طرفة.

ونعرف قصة النابغة إذ كان في بعض شعره إقواء (وهو تغيير حركة الروي) غفل عنه حتى غنت جارية:

زعم البوارح أن رحلتنا غدًا  وبذاك خبرنا الغرابُ الأسودُ

وكانت رويّ النابغة مكسورًا، ففطن إلى الهَنة وجعل العجُز ":

وبذاك تنعاب الغراب الأسود ".

وامرؤ القيس عندما صاوله عَلقَمة بن عبَدة في شعره يحتكم هو وصاحبه إلى أم جُندَب وهي زوج امرئ القيس.

يقول الأول:

فللسوط الهوب وللساق درة   وللزجر منه وقع أخرج مهذب

ويقول الثاني:

فأدركهن ثانيًا من عنانه           يمر كمر الرائح المتحلب

فحكمت أم جندب لعلقمة، إذ قالت لبعلها: علقمة أشعر منك.

 قال: وكيف؟

قالت: لأنك زجرت فرسك، وحركته بساقك، وضربته بسوطك. وأنه جاء هذا الصيد، ثم أدركه ثانياً من عنانه، فغضب امرؤ القيس وقال: ليس كما قلت، ولكنك هويته، فطلقها، فتزوجها علقمة بعد ذلك، وبهذا لقب علقمة الفحل..

 ومع أن القصة ينكرها طه حسين في جملة ما أنكر من الشعر الجاهلي لاعتبارات مختلفة، فإن مثل هذا النقد كان يتسم بالذوق والإحساس الصادقين دون الاعتماد على نظريات نفسية واجتماعية - شأننا اليوم.

وبإيجاز، فإن سبب الحكم هو كون امرئ القيس قد أجهد فرسه أيما إجهاد، وجعله يُزجر، حتى وقع كذكر النعام المسرع. وأما فرس علقمة فقد مر كما يمر سحاب العشي المتساقط.

وتنقل لنا الأخبار الأدبية أن النابغة كان ينصب قبة من أدم، فيجلس للقضاء في الشعر.. وليقول القول الفصل في شاعرية شعراء ذلك العصر.

يقول حسان في مجلس النابغة متحديًا بقوة سبكه:

لنا الجفناتُ الغرُّ يلمعن بالضحى    وأسيافنا يقطرن من نجدةٍ دما

فنظن هذا البيت لا يشوبه عيب، وإذا بالخنساء تجد له عشر ثغرات في معاني الكلمات وظلالها الدلالية...ذكرها صاحب الأغاني، ومن شاء فليعد إليها.

ويستمر الذوق في الحكم الأدبي ولكن بزيادة رهافة وبعد نظر.

فشتان بين معنى " هذا ابن هرْمةَ واقفًا بالباب " ومعنى ".... قائمًا بالباب "، ومعنى "....قاعدًا بالباب ". ويميز المتنبي بين الحائك والبزاز، و يقنع سيف الدولة عندما نقده في توزيع عجزين لبيتين أنهما في صيغته أهدى وأبدع.

ويقول بشار في قصيدة عذبة:

وإذا قلت لها جودي لنا      خرجت بالصمت عن " لا " و " نعم "

 نفّسي يا عبدُ عني واعلمي   أننــــــــي يا عبــد من لحــــــم ودم

ويعلق أحدهم: لماذا لم تقل (خرست) بدلا من (خرجت) فبادره بشار:

إذن... أنا في عقلك؟ ! فض الله فاك ! أتطيّر على من أحب بالخرس !

وكأني بالأدب العربي قد أصابه بعض الركود لرفضه الجديد. حدث إسحق بن إبراهيم المـَوصلي قال: أنشدت الأصمعي:

           هـل إلى نظـره منـك سبيـل  يُروَّ منها الصدي ويشفى الغليل

           إن ما قل عندك يكثر عندي     وكثير ممـن تحــب القليــــــل

فقال الأصمعي معجَـبًـا: لمن هذا الديباج الخسرواني؟

قال: فقلت: هي لي وهي بنت ليلتها، فقال: لا جرم أن فيها ضعف التوليد....وفي رواية أخرى قال له: خَرِّق خرِّق !!

وقد راق لي ما قرأته في كتاب المنصف لابن وكيع التنيسي، إذ يعلق على هذه القصة: "ما أقبح رأي علمائنا في أن يرد عليهم اللفظ الذي لا يعجب والمعنى الذي لا يطرب فيعظمون أمره ويجلون قدره، لأنه لمن تقدم زمانه وبعد أوانه.... فإذا وافاهم المحدَث باللفظ العجيب والمعنى الغريب أعرضوا عنه وغضّوا منه وأنفوا من رواية قوله: حتى إن أبا عمرو بن العلاء قال: لقد كثر هذا المحدث حتى لقد هممت بروايته يعني شعر جرير والفرزدق، فقدم عذرًاً في روايته، حتى كأنّ الفضل مقصور على من تقدم زمانه أو لم يكن القديم محدثاً..... وأظنهم يرون الشعر بمنزلة المشروب، كلما عتق كان أفضل له." والفكرة وردت قبله لدى ابن قتيبة في الشعر والشعراء، فهو أبو الموضوعية في النقد  - في رأيي...

 

الحلقة الخامسة عشرة

النحو بين البصرة والكوفة

 

كان سيبويه عندما يورد شوارده اللغوية يكثر من استعمال " سمعنا العرب الموثوق بهم " أو " سمعنا فصحاء العرب " " وأنشدنا ممن صحت عربيته ".

 

ولرب سائل يسأل: على أي القبائل كانوا يعتمدون في الرواية؟

على سبيل الحصر هي: قيس، وتميم، وأسد. وعليها كان الاتكال في الغريب، وفي الإعراب والتصريف، ثم هُذَيل، وبعض كنانة، وبعض طيِّيء. ولم يؤخذ من سواها.

فالحضري لان جلده على حد تعبير أبي عمرو بن العلاء..... يسأل عمرو صديقه أبا خيرة: كيف تقول استأصل الله عرقاتَهم أو عرقاتَِهم؟

ففتح أبو خيرة التاء.... فقال له أبو عمرو:

" هيهات أبا خيرة لان جلدك ".

ولعلنا نعجب اليوم كيف كانوا يذرعون البادية بحثًا عن معنى كلمة، وخاصة ما ورد في القرآن وأشكل عليهم..... ويحكى أن بعضهم التبس عليه قول الله تعالى:

" وما الحياة الدنيا إلا متاع الغُرور " (آل عمران، 185)... فما معنى متاع؟

 فطوى الأرض سائلا حتى وقع على بئر كانت عليه امرأة تستسقي، قالت البنت لأمها وهي في جوف البئر:

" يا أم، ناوليني المتاع " !، فدفعهم حب الاستطلاع إلى معرفة كنه (المتاع) وإذا به خرقة تستعمل للطمث، فرجعوا تدغدغهم نشوة النجاح في كسب المعرفة.

وكان أكثر من يهتم بالرواية شفاهًا عن الأعراب هم أصحاب مدرسة البصرة، وذلك لقربها من البادية، ولتشددها في الحفاظ على الموروث اللغوي والأدبي، فعلى مقربة يقع المِرْبد - وهو سوق عُكاظ المستجد.

أما الكوفيون فقد تبنَّوا فكرة التحرر من قيود اللغة وأُولعوا بالقياس. فإذا صح في اللغة لفظة صَمَخْمخ – مثلاً - قاسوا عليها خرجرج وضربرب، وفي ذلك منتهى الغلو.

البصرة كانت تحفظ الشاذ ولا تقيس عليه، ويصل بها الأمر إلى تخطئة كبار الشعراء القدماء، أما الكوفة فيبدو أنك مهما قلت عندهم فهو صحيح – هكذا يخيل أن منهج "النحو الوافي" الذي كتبه عباس حسن فيه كثير من المياسرة والإجازة.

ويورد ابن خَلِّكان (ت. 1280م) صاحب وفَـيَـات الأعيان (وَفَيات = جمع وفاة، والياء غير مشددة) مناظرة بين سيبويه زعيم مدرسة البصرة، والكسائي زعيم مدرسة الكوفة.

يقول سيبويه: كنت أظن الزنبور أشد لسعًا من النحلة فإذا هو هي.

ويقول الكسائي: فإذا هو إياها.

ويتحكمون لدى عربي سليم الطبع سوي السليقة فيصوب سيبويه، ويخطِّئ الكسائي، ولكنه لا يجرؤ أن يقول الحق في حضرة الخليفة الأمين لأن الخليفة مناصر للكسائي - معلمه – وهو يشد أزره.

 فخرج سيبويه غاضبًا بعد أن تمالأوا عليه.

وظلت الخلافات قائمة بين المدرستين جمعها ابن الأنباري في كتاب خاص:"الإنصاف في مسائل الخلاف".

منها المسائل الخاصة بالحقيقة النحوية للكلمة: نعم وبئس أفعلان أم أسمان، أفعل التعجب هل هي فعل، (حاشا) فعل أم حرف، (رب) اسم أم حرف... وهناك مسائل أخرى موضع خلاف.

ونحن اليوم يغلب علينا منهج سيبويه مؤلف " الكتاب " فمن يركب البحر يعرف ما فيه من در.

أو كما يقول المتنبي " فمن ركب البحر استقل السواقيا ".

 لكن ابن خَلـِّكان أراد أن يشكك في مقدرة سيبويه، وجعل الفضل الأوفى والقِدْح المُعَلّى لعيسى بن عمر الثقفي - وهو نحْوي يكاد أن يكون مغمورًا.

سأل الخليل سيبويه عن عيسى بن عمر فقال: صنف نيفًا وسبعين مُصَنفًا في النحو لم يبق منها إلا كتابان " الإكمال "، و " الجامع " وهو هذا الكتاب الذي اشتغل فيه، فأنشد الخليل:

        ذهب النحو جميـعــًا كـلــه   غير ما أحدث عيسى بن عمر

        ذاك إكمــال وهــذا جـامـــع   وهمـا للنـاس شـمس وقمــر

وأراد ابن خلكان أن يوحي لنا أن الكتاب ما هو إلا الجامع، أما ياقوت الحموي فلا يدري عنهما شيئًا.

وكان عيسى بن عمر يُعرف عنه التشدد والتقعر في اللغة، وهو الذي قال حين سقط عن حماره واجتمع عليه الناس:"ما لكم تكأكأتم علي كتكأكئكم على ذي جِنّة.... افْرَنقِعوا"!

 


دراسات


 

خطاب الواحد بخطاب الاثنين

نادرة هي اللغات التي تخصص للمثنى صيغًا خاصة في تراكيبها، وخاصة في الأفعال.

 وقد جعلت العربية الضمير الألف مشتركًا للمذكر والمؤنث، ففي قولنا (اِذهبا) فإننا نوجه الأمر للاثنين وكذلك للاثنتـين، بالإضافة إلى أن كلا من الضميرين (هما) و (أنتما) مشتركان، ويلاحظ أن الألف هي دلالة التثنية في الضمائر[2]. ويظل هذا الاشتراك كذلك في المضارع والماضي مع الحفاظ على علامة التأنيث - التاء - للمؤنث، فهما تذهبان وقد نجحتـا.

ولما أن كانت اللهجة المحكية قد ألغت هذه الصيغة واعتبرت الاثنين جماعة، فمحمد وأحمد "سافروا"، و "سألتهم": "تعبتو؟"... وأنتم (للاثنين): تفضلوا ! فإن هذا التأثير أخذ يتسرب للفصيحة في السرد والحوار في روايات مختلفة، وكذلك في ما اصطلح عليه " لغة المثقفين ". وهي من نافلة القول - لا تتوجه للمفرد بأمر المثنى - على غرار ما ورد في نصوص عربية قديمة، كأن نخاطب رجلاً ونقول له: اسمعا ! وهذه المسألة هي من الغرابة بمكان، لذا ارتأيت أن تكون هي بالذات - موضوع الدراسة الذي أتناوله.

من الظواهر التي لا نجد لها تفسيرًا لغويًا هذه الظاهرة التي يؤمر فيها الواحد بأمر الاثنين، كقول الحجاج: "يا حرَسيّ! اضرب رأسه!"[3]، وثـَم استشهاد شعري يتردد في هذا الباب، وهو لسويد بن كراع العكلي:

فإن تزجراني يا ابن عفان أزدجر       

                                 وإن تتركاني أحم عرضًا ممنـّعـا[4]

يقول ابن سلام:"وقوله تزجراني، وتتركاني، وإنما يريد واحدًا، وقد تفعل هذا العرب...."[5]

فهل هذا الأسلوب جاء لتحسين الكلام من جهة المعنى، أو أنه جاء لتحسينه من ناحية اللفظ؟

هل هو مجرد جنوح عن الأصل، أو بلغة النقاد المحدثين (اِنزياح) أو (انحراف)؟[6]

هل الألف هي منقلبة عن نون التوكيد الخفيفة كما ذهب بعضهم في شرح "قفا نبك.."[7]؟

وقبل أن ندخل الموضوع أؤكد أن هناك من يرى أن الخطاب لاثنين، وليس لواحد، وفي كل نموذج أو مثال سأورده ثمة أكثر من تفسير، ولكن همنا هنا أن نقف عند هذا الرأي السائد لدى كثير من أهل اللغة، وهو أن الخطاب جاء لواحد فقط، ويدل على ذلك السياق، فبعد (قفا نبك...) ورد بيت آخر في المعلقة يبدأ بخطاب (أصاح ترى برقًا أريك وميضه....) بدليل أن المخاطب هو واحد.

  ورد في العقد الفريد:" وقال أهل التفسير في قول الله عز وجل (ألقيا في جهنم كل كفّار عنيد).

إنه إنما أراد واحدًا فثناه، وكذلك قول معاوية للجلواز الذي وكّله برَوح بن زنباع لما اعتذر إليه رَوح واستعطفه: خليا عنه! " [8].

ويستعرض البغدادي في مجمل حديثه عن (قفا نبك) أن فيها أقوالا، يذكر منها: "أحدها لأكثر أهل اللغة أنه خطاب لرفيق واحد، قالوا لأن العرب تخاطب الواحد بخطاب الاثنين، قال الله تعالى مخاطبًا لمالك: (ألقيا في جهنم...)[9]... والعلة فيه أن أقل أعوان الرجل في إبله وماله اثنان... فجرى كلام الرجل على ما ألف من خطابه لصاحبيه ".[10]

وثمة قول آخر أورده البغدادي على أنه للمبرد إذ "قال: التثنية تأكيد الفعل، والأصل (قف قف)، فلما كان الفعل لا يثنى ثُـنّي ضميره".

ولا يغفل البغدادي عن الرأي الذي يرى أن خطاب المثنى هو للمثنى حقيقة، ويقول إنه رأي الزجّاج.

ذكرت آنفًا ما قاله العقد الفريد عن أهل التفسير في مجرى كلامهم عن الآية {ألقيا في جهنم..} فهذا القرطبي يستشهد بما قاله الخليل والأخفش – "إن هذا كلام العرب الفصيح أن تخاطب الواحد بلفظ الاثنين، فتقول ": "ويلك ارحلاها وازجراها، وخذاه وأطلقاه للواحد، وقال الفراء: تقول للواحد قوما عني"[11].

ونحن نلحظ رأي المفسر القرطبي الموافق ضمنًا لهذه الظاهرة اللغوية - من خلال وصفه ذلك معتمدًا على الخليل والأخفش بالفصيح (وهو بذلك يرى ما رآه ابن جني[12] من أن ذلك فصيح، وما ارتآه البغدادي بأنه لأكثر أهل اللغة )، و نلحظ هذه " الموافقة " من خلال استطراده في تقديم الأمثلة.

ثم أن أسلوب المبالغة قد يكون في اللغة متمثلا باستخدام صور التثنية أو الجمع، فابن سلام الجمحي ينبهنا إلى نماذج وردت في الشعر القديم، يقول: " وقد تفعل هذا العرب "، ويستشهد بأبيات فيها صيغة المثنى للدلالة على المفرد - "قال الفرزدق:

عشية سال المِربدان كلاهما             عجاجةَ موت بالسيوف الصوارم

.......................

وقال أبو ذؤيب:

وحتى يؤوب القارظان كلاهما    ويُنشر في القتلى كليبٌ لوائل

وهو رجل واحد من عنـزة، ذهب (أن) يجتني القَرَظ، فلم يثبُت أنه رجع.

.......  وقال العجاج: " لا تحسبنّ الخندقيـن والحَفَر " وهو خندق واحد"[13]

ونحن لا نستبعد ذلك، إذ ورد في الذكر الحكيم {رب المشرقين ورب المغربين} (الرحمن 17)، كما ورد في آية أخرى {رب السماوات وما بيـنهما ورب المشارق} (الصافات 5)، وليس هناك أكثر من مشرق واحد، إذا أردنا تعميم الدلالة.

ولكن المفسرين يجعلون كل درجة في طلوع الشمس وكأنه مشرق واحد، فاختلاف مطالع الشمس لديهم هو مشارق، وكذلك جعلوا المشرقين أقصى مطلع تطلع منه الشمس في الأيام الطوال، وأقصر يوم في القصار[14]. وهذا بالطبع لا ينفي أن يكون هناك مشرق واحد بدليل الآيات الواردة في ستة مواقع أخرى[15].

إن مثل هذه الأساليب اللغوية التي تعدل عن الأصل المتعارف عليه من شأنها أن تثير التساؤل، وتترك فسحة لمعاودة النص واستنباط معنى قد تؤديه صورة اللفظة الجديدة.

وعلى ذلك، فقد اعتبر ابن جني هذا "الانـزياح" اللغوي أمرًا عاديًا وهو "ليس بقاطع دليل على ضعف لغته، ولا قصوره عن اختياره الوجه الناطق بفصاحته"[16].

 

*          *


 

إزاء ما ذكرنا أعلاه من ضروب الاجتهاد فإن صورة التأكيد تظل هي الراجحة[17]، فكأن الواحد هو اثنان، ونحن نلحظ ذلك أكثر ما نلحظ في خطاب المفرد الذي يكون له مساعد، أو في موقف يكون المفرد فيه في موقف تأثيري {ألقيا في جهنم...} قفا نبك، اضربا عنقه!، خليا عنه!، فإن تزجراني يا ابن عفان... إلخ).

 ثم إن عدم المطابقة اللغوية كان لكسر آلية ما هو متعارف عليه، فنحن نرى آية "فمن ربكما يا موسى" (طه 49) فقد سأل "من ربكما" وخاطب واحدًا - موسى (وكأن هارون مفهوم ضمنًا أنه معه) أو قوله تعالى "قال قد أجيبت دعوتكما..." (يونس 89) والخطاب مرة أخرى لموسى وحده؛ ومثل ذلك آية "... فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى" (طه 16) بدلا من (فتشقيان).

إنها أساليب تحفز على تدبرها والنظر فيها، وقد تضاف هي و الأضداد والمشترك والعدول وغيرها إلى مجمل المثير للنظر، وهنا لا يكون تحديد الدلالة - عامة - هدفًا، بل إن هذا منوط بمراجعة النص وفهم السياق.

المصادر

القرآن الكريم

ابن جني: الخصائـص، ج 2، (تحقيق محمد علي النجار)، دار الهدى، بيروت 1952.

ابن عبد ربه، أحمد: العقد الفريد (ج 5)، دار الكتاب العربي، بيروت 1965.

ابن فارس: الصاحبي (تحقيق مصطفى الشومي)، مؤسسة بدران، بيروت 1964.

ابن قتيبة: الشعر والشعراء، ج 2، (تحقيق أحمد محمد شاكر)، دار المعارف بمصر 1967.

البغدادي، عبد القادر: خزانة الأدب، ج 6، 11، (تحقيق عبد السلام هارون)، مكتبة الخانجي، القاهرة 1983.

التبريزي، الخطيب: شرح القصائد العشر (تحقيق فخر الدين قباوة)، دار الآفاق، بيروت 1980.

الجمحي، ابن سلام: طبقات فحول الشعراء، ج 1 (تحقيق محمود شاكر)، دار المدني، د. ت.

الزركشي، برهان الدين: البرهان في علوم القرآن، ج2، دار التراث، القاهرة، د. ت.

الزوزني: شرح المعلقات السبع، دار الجيل، بيروت، د. ت.

القرطبي: الجامع لأحكام القرآن، ج15، ج17، دار الكتب العلمية، بيروت، 2000.


 

الاسم المقصور في النحو والصرف وأحكامه*

تمهيد:

تطمح هذه الدراسة إلى إيضاح بعض ما أشكل في الاسم المقصور، وهي وان قدمت بأسلوب جديد مغاير لأساليب المصادر القديمة التي عالجت الاسم المقصور والاسم الممدود1 إلا أن التركيز في معالجة هذا الموضوع تعريفاً وتصريفاً من شأنه أن يلقي ضوءاً جديداً على مادة لا يفترض أساساً ضرورة الإبداع فيها، فان لم يجد القارئ جدة في الطرح فلعل تنظيم المادة أو طريقة عرضها قد يكون شفيعاً لإخراجها، تيسيراً للباحث أو تحفيزاً له على تناول الموضوع بما هو أجدى.

1. تعريف الاسم المقصور:

الاسم المقصور هو معرب ختم بألف لازمة "ثابتة"، نحو"الهدى" و"العصا" (والمهم أن تكون ألفاً من حيث النطق ولو رسمت بالياء)

فألف "العصا" مقصورة، وليست ممدودة كما يتوهم بعضهم، ذلك لأن الألف الممدودة هي ألف زائدة تليها همزة نحو "سماء"، "أصدقاء"، وللتمييز بين اسمي الحرفين الأخيرين في كل من "العلا" و"التقى" (وكلاهما اسم مقصور) نسمي الألف الأولى"قائمة"، ونسمي الثانية "ياء مهملة" أو على سبيل الاختصار "ياء".

1-1       والاسم المقصور كما ذكر في التعريف معرب، تقدر عليه حركات الإعراب رفعاً ونصباً وجراً، فنقول في إعراب "الهدى" في قولنا "إن الهدى هدى الله":

الهدى: اسم إن منصوب وعلامة نصبه الفتحة المقدرة للتعذر.

هدى: خبر إن مرفوع وعلامة رفعه الضمة المقدرة للتعذر.

ولرب سائل يسأل: إذاً لماذا لا نعتبرها مبنية ما دامت الحركة مقدرة في أحوال الإعراب الثلاث؟

والإجابة: لأن الإعراب في التثنية والجمع يتغير، فنحن نقول في مثنى "الفتى" في حالة الرفع "الفتيَان" وفي حالة النصب والجر" الفتَيَين"[18] بينما المبني لزوماً لا يُثنى ولا يجمع مباشرة، وما دام الاسم المقصور معرباً فليس لنا أن نعتبر الأسماء المبنية أسماء مقصورة، نحو: إذا، مهما، حيثما، كيفما، ما، أنا، أنتما، هما، هنا، هذا... إلخ.

1-2       أما الألف اللازمة أو الثابتة(في التعريف) فهي جزء من اللفظة، بمعنى أنه لا يمكن الاستغناء عنها، فهي ليست عارضة، كالألف في الأسماء الستة، وليست زائدة، أو علامة الرفع في المثنى، أو التي للإطلاق أو العوض أو الندبة... إلخ.

1-3       وهذه الألف ليست أصلية في الاسم، مع أنه لا يمكن الاستغناء عنها، فهي واحدة مما يلي:

أ‌.        منقلبة عن واو أو ياء، ونستطيع أن نهتدي إلى أصلها عن طريق التثنية أو الجمع، فألف "العصا" منقلبة عن واو بديل المثنى "عصوان"، وألف "الفتى" منقلبة عن ياء، بديل التثنية أو الجمع "فَتَيان، فِتية".

ب‌.  مزيدة للتأنيث، نحو: "حُبلى"، ذِكرى"، "بُشرى"...

ت‌.  مزيدة للإلحاق، نحو: "أَرْطى"(نوع من الشجر،ثمره مر)، وقد ألحقت الألف زائدة، فتكون اللفظة وزان "جعفر"، ومثلها "ذِفْرى" (العظم خلف الأذن وتجمع على ذِفريات أو ذَفارى) وهي على وزان "دِرْهَم".

1-5 وقد نجد الألف المنقلبة محذوفة لفظاً، كقولنا "فَتًى" فنحن نلفظها صوتياً "فَتَن"، ومع ذلك فهي موجودة تقديراً، لأن المحذوف لعلة[19] كالثابت، فالألف إذاً لازمة دائماً إما لفظاً أو تقديراً، ومتى نُوّن المقصور حذفت ألفه لفظاً لا خطاً.

أما إذا جاءت بعد ألف المقصور هاء التأنيث، نحو: "فتاة" مؤنث، "فتى" و "مباراة" مؤنث "مُبارًى" زال عنه الاسم والحكم، وصار الإعراب على هاء التأنيث.

2. كيف يصاغ الاسم المقصور:

 من المقصور ما هو قياسي، ومنه ما هو سماعي:

2-1 أما المقصور القياسي فيكون في عشرة أنواع من الأسماء المعتلة الآخر:

أ‌.        مصدر الفعل اللازم وزان "فَعِل" فان مصدره وزان "فَعَل" نحو: " جَوِيَ- جَوًى"، "رَضِيَ- رِضًا" ونظيرهما من الصحيح " فَرِحَ- فَرَح".

ب‌.  ما كان على وزان " فِعَل" مما هو جمع لـ "فِعْلَة"، نحو:"حِلية- حِلىً"، ونظيرها من الصحيح "قِرْبة- قِرَب".

ت‌.  ما كان على وزان "فُعَل" مما هو جمع لـ "فُعْلَة"، نحو: "عُروة- عُرًا"، "مُدْية- مُدًى"، ونظيرهما من الصحيح- "حُجة- حُجَج".

ث‌.  ما كان على وزان "فَعَل" من أسماء الأجناس التي تدل على الجمع. إذا تجردت من هاء التأنيث، وتدل على الوحدة إذا لحقتها هذه الهاء، نحو: "حَصاة- حصًا"، "مَهاة- مَهًا"، ونظيرهما من الصحيح "ثَمَرة- ثَمَر".

ج‌.    اسم المفعول الذي ماضيه يزيد على ثلاثة أحرف، نحو: "مُعطىً"، "مُنقّىً"، ويجري مجرى اسم المفعول فيما أكثر من الفعل الثلاثي المصدر الميمي، واسم المكان واسم الزمان.

ح‌.    وزان "مَفْعَل" دلالة على المصدر الميمي أو اسم الزمان أو اسم المكان ، نحو: "مَرْمىً"، "مَشْتىً".

خ‌.    وزان "مِفْعَل" دلالة على اسم الآلة "مِكْوىً".

د‌.      وزان "أفْعَل" صيغة للتفضيل، نحو: "الأدْنى" ،" الأقصى"، أو لغير التفضيل دلالة على لون أو عيب أو حلية نحو: "الأعمى"، "الأحوْى".

ذ‌.      جمع مؤنث من "أفْعَل" التفضيل، مثل "الدُّنا" (جمع "الدنيا")، ونظيرها من الصحيح: "الكُبْرى- الكُبَر".

ر‌.     مؤنث "أفْعَل" التفضيل من الصحيح الآخر أو معتله، نحو: "الُحُسْنى"، "الفُضْلى"، "الصّغرى"، "الدُّنْيا"، "القُصْوى".

2-2 وفيما عدا هذه الأوزان أو الأنواع يكون المقصور سماعياً (بمعنى أنه ورد على ألسنة العرب أو في كتب اللغة كما رووها،وهو يحفظ ولا يقاس عليه) نحو: "السنّا"، "الرّحى"، "الفَتى"[20].

3. لماذا سمي الاسم المقصور بهذا الاسم؟

ذكر ابن مالك في ألفيته ما يتعلق بالاسم المقصور، فقال:

فالأول الإعراب فيه قدّرا                جميعه، وهو الذي قد قُصِرا

ولفظة "قّصِر" لم تكن واضحة الدلالة في معاجم اللغة، ففي لسان العرب وتاج العروس نجد "والقصر خلاف المد، والفعل كالفعل والمصدر كالمصدر".وقد عرف المستشرق رايت (ت 1889) الألف المقصورة بأنها "الألف التي اختصرت لفظاً أو اختزلت، وهي خلاف الألف الممدودة التي تقيها الهمزة في نهايتها"[21]. فهي مقصورة إذا لأنه لم يردفها همزة حتى تمدّ.

ومع وجاهة هذا التفسير إلا أن الأشموني (ت 1495م) في شرحه لألفية ابن مالك كان متميزاً في ربط الاسم بالمعنى، فهو يشرح "القصر" بمعنى"الحبس"، ومنه قوله تعالى "حور مقصورات في الخيام". أي محبوسات على بعولتهن. وسمي المقصور بذلك لأنه محبوس عن المد أو عن ظهور الإعراب[22]، وفي هذا الاقتباس إمكانيتان متاحتان للتفسير الذي أغفله معظم الشارحين.

4. تثنية المقصور وجمعه:

 4-1 عند تثنية المقصور الثلاثي فإننا نعيد الألف إلى أصلها، نحو:"هدًى- هُدَيان"[23]. أما إذا كان المقصور أكثر من ثلاثة أحرف (بمعنى إذا كانت الألف رابعة فصاعدًا فإن الألف تقلب ياء مطلقاً نحو: "عُظْمى- عُظْميان" (أو عُظْمَيَين)[24].

 4-2 وما ينطبق في قواعد التثنية ينطبق كذلك على الجمع المؤنث السالم (على اعتبار أن هاء التأنيث قد حذفت[25] وعاد الاسم مقصوراًً)، "زكاة- زكَوات" ذلك لان ألف "صلاة" و"زكاة" مبدلة من الواو حسب الأصل الآرامي، وقد حافظ القرآن الكريم على رسم الكلمة: "صلو|ة"، "زكو|ة" [26].

4-3 وفي الجمع المذكر السالم تحذف الألف وتبقى الفتحة قبل علامة الجمع مباشرة، نحو:

"رضاً- رِضَوْن" (أو رِضَيْن)، "مصطفًى، مُصْطَفَوْن" (أو مُصطفَيْن)، "أعلى- أعْلَوْن" (أو أعْلَيْن).

5. النسبة إلى الاسم المقصور:

عند النسبة للاسم المقصور تلحق به الياء المشددة، فإذا كان ثلاثياً قُلِبت ألفه واواً (ولا يهم هنا أصلها) وتكون هذه الواو مكسورة، نحو "هُدًى- هُدَوِيّ"، "عَصاً- عَصَوِيّ"، ويلحق به كذلك ما كان مقصوراً ثلاثياً قبل إلحاق هاء التأنيث فيه، نحو: "صَِلاة- صَلوِيّ"، "فَتاة- فَتَوِيّ".

5-1 إذا كان المقصور رباعياً ساكن الحرف الثاني نحو:"حَيْفا"، "مَلْهى" فعند النسبة تجوز احتمالات ثلاثة:

أ‌.        تقلب الألف واوا وتكسر، نحو: "حَيْفَوِيّ"، "مَلْهَوِيّ".

ب‌.  ويجوز مع القلب المذكور أعلاه زيادة ألف قبل الواو، نحو: "حَيْفاوِيّ" (أو بمعنى آخر إضافة واو مكسورة على نهاية الاسم قبل الياء).

ت‌.  حذف الألف وكسر ما قبل الحرف المحذوف، نحو "حَيْفِيّ"، "يافِيّ"، ويرجح مثل هذا الحذف إن كانت الألف للتأنيث نحو "حُبْلَى- حُبْلِيّ".

5-2 إذا كان الاسم المقصور رباعيا متحرك الحرف الثاني أو كان خماسيا أو أكثر حذفت الألف وكسر ما قبل الياء نحو: "بَرَدى- بَرَدِيّ"، "مصطفًى- مصطَفِيّ"، وأجاز بعضهم قلب الألف واوا مكسورة، نحو "مصطَفَوِيّ". وهذا الشائع في لغتنا المعاصرة.


 

6. تصغير الاسم المقصور

6-1 إذا كانت الألف المقصـورة ثالثة قلبـت هذه الألف يـاء، وأدغمت فيها ياء التصغير نحو: "فَتًى- فُتَيّ"، "عُلاً- عُلَيّ"[27].

6-2 أما أفعل التفضيل من هذه الأسماء نحو"أحلى"، "أشهى" فعند التصغير يبقى ما بعد ياء التصغير على فتحه- "أحَيْلَى"، "أشَيْهَى"، وعلى غرار ذلك تكون الأسماء المنتهية بألف التأنيث، نحو: "سُلَيْمى"، "حُبَيْلَي" (ويرى البعض حذفها في الصفة وقلبها هاء، نحو: " حُبْلَى- حُبَيْلَة").

ويشير (رايت) إلى أن ألف التأنيث تلغى عندما يكون الاسم خماسيا (وثالثه ليس حرف مدّ زائد) أو أكثر من خمسة أحرف نحو: " قَرْقَرى- قُرَيْقِر"، "لُغَيْزَى- لُغَيْغيز"[28].


 

7. متى يمنع الاسم المقصور من الصرف:

7-1 يقول ابن مالك في ألفيته:

  أو ألف التأنيث مطلقاً مَنَعْ  صرف الذي حواه كيفما وقع

وعلى هذا القول فان الألف المقصورة التي تزاد في نهاية الاسم لتدل على تأنيثه تكون ممنوعة من الصرف أو التنوين، وتأتي هذه نكرة على غرار "ذكرى"، "بُشرى"، وقد تكون في معرفة، نحو: "جرحى" "قتلى"، أو في وصف للمؤنث نحو: "حُبْلى" "يُسْرَى"[29] وبمعنى آخر: إن هذه الألف التي للتأنيث تقع:

-       معرفة أو نكرة

-       في مفرد أو في جمع

-       في اسم أو في صفه

7-2 وتمنع الأعلام في الأسماء المقصورة من الصرف إذا كانت ألفها للإلحاق، نحو "أَرْطى"، "عَلْقَى" "عِزْهى" وبالطبع فهذه الألفاظ نادرة الاستعمال، ويضاف إلى ذلك أسماء الأعلام الأعجمية، نحو: "موسى" (أنظر الملاحظة 2 في حاشية الصفحة التالية).

7-3 ونستطيع أن نستنتج ان الأسماء المقصورة تنون في الحالتين التاليتين:

أ. إذا كانت الألف ثالثة في الاسم المقصور سواء كانت اللفظة مذكرة أو مؤنثة نحو "هُدًى" "عصاً"[30] ومن الألفاظ المقصورة التي قد تذكر وقد تؤنث "ضُحًا"، "سُرًى" ولكنهما تبقيان منونتين إلا إذا سميت الواحدة علما لمؤنث. أما الاسم "جُحا"[31].

فهو ممنوع من الصرف لكونه علما معدولا عن فاعل، ونحن بالطبع نضيف أسماء أعلام المؤنث إلى هذا الاستثناء، نحو "هُدَى"، "جَنَى"، "نُهَى".

ب) إذا كان الاسم المقصور مذكرا وليس على وزان أفعل فهو منوّن[32]، ويقع ذلك عادة في المصادر الميمية، نحو: "مُعْطًى"، "مَرْمًى" وفي اسمي المكان والزمان، نحو:"مستشفًى"، "مشتًى"، "مَقْهًى"، وفي أسماء الآلة مما هو مذكر، نحو:"مِرْمًى"، وفي اسم المفعول، نحو "مُلْقًى"، "مُرْتَجًى".


 

8. إملاء الألف المقصورة:

لا شك أن ثمة خلافاً في طريقة رسم الألف اللينة في نهاية الأسماء المقصورة، فالكوفيون يجيزون كتابة المقصور الثلاثي بالألف أو الياء إن كان الاسم مضموم الأول أو مكسوره[33].

وإذا تتبعنا طريقة الإملاء في أدب الكاتب لابن قتيبه (ت 889م) فإننا لا نجد قاعدة ثابتة ملزمة لكتابة الألف إذا كانت ثالثة، فهو يرى أن كلمة "الزِّناء" مثلا تمد وتقصر، فإذا قصرت كتبت بالألف[34].

8-1 ومن خلال متابعة لكتب الإملاء ولطريقة البصريين- وهي معتمدة لدينا- يتبين لنا أن الألف اللينة طرفا ترسم ياء في المواضيع التالية:

أ‌.        في كل اسم ثلاثي ألفه منقلبة عن ياء، نحو: "الهُدى"، "الُمنى"، "الأذى".

ب‌.  في كل اسم عربي ألفه المقصورة رابعة وليس قبلها ياء، نحو: "عذارى"، "مُرتَضًى" "قَتلى".أما إذا كان قبل الأخر ياء رسمت الألف المقصورة ألفا، نحو: "دنيا"، "قضايا"، "ثريا" تحاشيا من تلازم الياءين، ويستثنى من ذلك

 اسم العلم "يحيى"[35]، وذكر أيضا "ريّى".

ت‌.  في أربعة أعلام أعجمية وهي: "موسى"[36]، "عيسى" (وهما من اصل عبري)، "كسرى"، "بُخارى" (وهما من اصل فارسي)، ومنهم من يعتبر "يحيى" علماً أعجمياً كذلك بسبب أصل التسمية العبري.

8-2 وتكتب الألف المقصورة قائمة في المواضيع التالية:

أ‌.        في الألف الثالثة المنقلبة عن واو، نحو: "القفا"، "العُلا"، "الحفا"، "الذُرا"، "العصا"، "الرُبا"، "الرِبا"، "الرِضا"، "الضحا"، ويضاف إلى ذلك ما كانت ألفه مجهولة الأصل، نحو: "الدَّدا" (بمعنى اللهو واللعب)، "الخَسا" (المفرد من العدد)، وعكس معناها "الزَّكا" إذ لم يعرف لها فعل ولا مشتق آخر.

ب‌.  في الألف إذا كان المقصور اكثر من ثلاثي، وهو علم أعجمي، نحو: "حَيفا"، "أمريكا" (وقد أشرنا أعلاه أن الأعلام "موسى"، "عيسى"، "كسرى"، "بخارى"، "يحيى" هي المستثناة عن هذه القاعدة، وأشرنا كذلك إلى عدم تلازم الياءين، فنكتب "دنيا"، "عُليا"، "بُقيا" بالألف القائمة ونستثني منها كذلك اسم العلم "يحيى"[37] و"ريّى" لدى بعضهم.

ت‌.  ما ورد مقصورا وممدودا بلغتين "كالحلوى والحلواء" فيصح كتابتها "الحلوا"، ومثلها "الزّناء" فيصح كتابتها "الزِنا".

ث‌.  يصح أن تكون الألف قائمة في القافية، وذلك في القصائد المقصورة، حتى تستوي القوافي بالصورة الخطية، ومن أشهر المقصورات مقصورة ابن دُرَيد (أو المقصورة الدُّرَيدية) التي يمدح ابن دريد (ت 933م) بها الشاة ابن ميكائيل وولديه- وهو رئيس نيسابور، وقد أحاط ابن دريد فيها بأكثر المقصور، وعارضه فيها جماعة من الشعراء وشرحها آخرون، من أبرزهم ابن خالويه (ت 980م)[38].

8-3 ومع ذلك فهذه القواعد لم يخضع لها القدماء في مخطوطاتهم[39]. ثم إن بعض كتابتنا متأثرة برسم الإملاء في القرآن الكريم كقوله تعالى:"والضُّحى". ومما يشفع صحة الكتابة في المقصور الثلاثي على أي من الطريقتين أن يكون هناك خلاف حول أصلها الواوي أو اليائي، يقول السيوطي في المزهر في باب "ذكر الأفعال التي جاءت لأماتها بالواو والياء": عقد لها ابن السكيت بابا في اصطلاح المنطق وابن قتيبة بابا في أدب الكاتب، وقد نظمها ابن مالك في أبيات فقال:

         قل إن نسيت عزوتـه وعزيتـه        وكنوت أحمد كنية وكنيته

         .....

         وكذا طلوت طلى الطلى كطليته   ونقوت مخ عظامه كنقيته[40]

ومن خلال تسعة وأربعين بيتاً يتبين لنا صحة "الكُنا" و"الكُنى"، "الطلا" و"الطُلى"، ومثل ذلك "الحلا" و"الحلى"، و"الحشا" و"الحشى"، و"الضحا" و"الضحى"...الخ. ولا شك أن دعوة عبد العليم إبراهيم[41] إلى توحيد الرسم الإملائي فيها الغناء لطلابنا، وفيها تخفيف من قواعد شكلية في كثير من الأحيان، ولعلها تكون موضوع دراسة جادة ومجدية.

 

المصادر

1.       إبراهيم عبد العليم: توحيد الرسم الإملائي، تطوير تعليم اللغة العربية "بحوث مؤتمر الخرطوم"، السودان، 1976.

2.       ابن دريد: مقصورة ابن دريد "الطبعة الأولى" شركة ومكتبة مصطفى البابي الحلبي، القاهرة، 1939م.

3.       ابن السراج: الأصول في النحو، (الجزء الثاني، ط2)، مؤسسة الرسالة، بيروت، 1987.

4.       ابن عقيل: شرح ابن عقيل (جزءان)، مطبعة مصطفى محمد، القاهرة، 1935.

5.       ابن قتيبة: أدب الكاتب، مؤسسة الرسالة، بيروت، 1982.

6.       اسبر محمد، جنيدي جلال: الشامل (معجم في علوم اللغة العربية) ط2، دار العودة، بيروت، 1985.

7.       الاستراباذي" شرح شافية ابن الحاجب (القسم الأول – الجزء الثاني) دار الكتب العلمية، بيروت، 1975.

8.       حسن عباس: النحو الوافي (أربعة أجزاء) ط2، دار المعارف بمصر، 1971م.

9.       رايت وليام:

: W. Wright: A Grammar of the Arabic Language، 3rd Edition، Cambridge University press - 1967،(Part 2 P. 11).

10.        درويش محيي الدين: إعراب القرآن الكريم وبيانه، المجلد الثالث، دار الإرشاد للشؤون الجامعية، حمص، 1988م.

11.        رضا علي: المرجع في اللغة العربية، ثلاثة أجزاء، دار الفكر (دون تفاصيل أخرى).

12.        سيبويه: الكتاب (جزءان) ط2، منشورات الأعلمي، بيروت، 1976م.

13.        السيوطي: المزهر في علوم اللغة وأنواعها (الجزء الثاني) مكتبة صبيح بميدان الأزهر، د.ت.

14.        هارون عبد السلام: قواعد الإملاء، ط2، مكتبة الخانجي، القاهرة، 1976م.

وثمة مراجع أخرى أثبتت في مواضعها.

 

 

اللغة في أدب الأطفال[42]

من أهم ما يميز أدب الأطفال أنه يتمثل في كشف جوانب معرفية للطفل وإضاءتها، وتقديم مادة ما بمستوى أدبي مع التركيز على كيفية عرضها، وكذلك في التوجيه والإيحاء من خلال النص بأسلوب ميسر. إنه يعمد إلى إشباع حب الاستطلاع لدى الطفل، وإلى تنمية خياله، وإلى مخاطبته حول طبيعة الإنسان والإنسانية عامة وإنجازاتها، وصولاً إلى استكشاف العوالم المختلفة حوله.

هذا الأدب عليه أن يوفر المتعة والفهم ومحاولة ترك الأثر- أثرٍ ما في نفسية الطفل وفي أفعاله.

إن أدب الطفل هو مفتاح لولوج عالم الأدب عامة، فمن واجباته أن يخلق الثقة لدى الأطفال، وأن يخلق بديلاً للواقع غير المرضي عنه أحيانًا - أو موازيًا له، وأن يقدم الأمان العاطفي أو الروحاني، وكذلك أن يغرس الشعور بالانتماء، ويوثق روابط المحبة مع من حوله. وأهم من ذلك أن يحفز الطفل على استقلاليته، بحيث

يدعوه إلى أن يتغلب على المصاعب ضمن رؤية هادفة، هذه الرؤية التي ترى أنه لا بد له من تضامن أو تعاون مع الآخرين.

 فإذا انطلقنا من ضرورة استقلاليته عرفنا أهمية أن يقوم هو بفعاليات تساعده على أن يتم عمله وينجزه بنجاح.... ويبني شخصيته لبنة لبنة.

ولا يدعي أحد أن هذه التوقعات أو الافتراضات ستكون كلها في نص ما، فحسب الكاتب أن يضع نصب عينيه موضوعة مركزة أو اثنتين ليقرب النص إلى عالم الطفل وأدبه.

إن المنشود في كتاب الطفل أن تكون محتوياته وتصميمه ولغته تؤدي بالطفل إلى متعة شعورية وجمالية، و إلى أن تثري عالم الطفل بالتجارب...

وقد تكون في كل نص شخصية أو أكثر يتعاطف معها الطفل، وقد تكون مُرْسَلة أخلاقية معينة يتحمس لها الطفل، أو تكون وسيلة ما لاكتساب المعرفة ولزيادة مكنز معلوماته، ولكنها لن تكون خالية من أي مضمون كما يحلو لبعض أنصار التجديد في هذا الحقل.

النص بدءًا يفترض أن يحول الطفل إلى قارئ مستقبلي، ولا يخفى أن اللغة المنتقاة هي التي تحسن ذوقه الفني وتطور حسه الجمالي وتحمل المداليل والمضامين المبتغاة. فليس بدعًا أن نرى أطفالنا يكررون عبارات حفظوها، وبهذا يثرون لغتهم هم، وبذلك يطورون الوعي الذاتي والفكري.

وإذا كانت اللغة هي المقياس الأول في النص الأدبي عامة، حيث لا يهمنا أولاً ماذا نقول، بل يهمنا كيف تقول- فإن هذا ينطبق أكثر ما ينطبق على أدب الأطفال.

فاختيار الألفاظ ذات الإيقاع، والتكرار غير الممل، واستخدام المحسنات من سجع وجناس وطباق وازدواج، وبناء الجمل القصيرة والمعبرة التصويرية تجعل النص محبَّبًا لدى الطفل...

ثمة أنواع للقص الذي يلائم الطفل، ولا أرى هنا أن أصنفها - هذي لهذا الجيل، وتلك لذاك، ولكنني أرى أن لغة حكايات الجن والسحرة والأسطورة تختلف عن لغة القصة على لسان الطير والحيوان، عن القصة الشعبية، عن القصة التاريخية، عن قصة من وحي الطبيعة، عن قصة دينية، عن قصة فكاهية، وكل واحدة من هذي تختلف عن الأخرى.

والمسرحية- وهي قليلة في كتابتنا- تحاسبنا كل كلمة فيها ونحاسبها في مدى توظيفها ونجاعتها وتوصيلها، وذلك حتى تكون المسرحية ناجحة.

ولست أرى لغة الشعر بعيدة عن هذا الحرص الشديد الذي نعمد إليه في اختيار كل لفظة ولفظة...

من المآخذ التي أراها في أدبنا للأطفال أنه لا يحدد على أغلفة الكتب المستوى المعدّل أو معدّل المستوى، كأن يُكتب على الغلاف معد لأبناء الرابعة-السادسة -. مثلاً، بل يتركون للآباء أن يتصفحوا وأن يقرءوا، وأن يقرروا، بينما كان من المفروض تبيان الفئة العمرية من جهة، وتظهير الكتاب ببضعة سطور تبين المضمون / الملخص الذي يعالجه الكاتب. وبهذا نوفر على الآباء جهد التصفح والقرار، ذلك لأن القرار السريع من قبلهم قد يكون غير موفق.

يلجأ بعض كتاب أدب الأطفال إلى العامية تيسيرًا على الأطفال. وهذه قضية ذات خطورة وخطرة، إذ من الضرورة أولاً أن نعوّد الطفل على اللغة التي سيعايشها في كتب المستقبل. أما أن نسوّق العامية فهذا ضرب من الخطاب اليومي العابر - أسوة بالنكتة والأغنية الشعبية والحكاية[43]، ورغم أن هذه جميعها هي من صميم الواقع حقًا، لكنها لم تدخل حتى الآن دائرة الأدب العربي سواء في أدب الكبار أو الصغار.

ولرب سائل يسأل: كيف نميّز بين أدب الكبار والصغار؟

 والإجابة في تقديري تتأتى في المستوى اللغوي وفي الأداء، وسأسوق مثلاً:

من أدب الكبار نقرأ هذه الفقرة:

" اهتز الحصان بنشوة. كان متفوقًا بعد أن بز سائر الخيول في السباق وحصل على قصب السبق. فلما أُعلن عن فوزه كانت أعين الناس ترنو إليه بإعجاب."

أما في أدب الصغار فسنرى نفس الحدث بلغة أخرى:

"أسرع الحصان الأبيض الجميل، وكان يرفع رأسه وهو يجري ويجري ويجري... حتى فاز وسبق كل الخيول التي كانت تباريه. ولما انتهى السباق أخذ يحرك جسده وكأنه يرقص. وكان سامي ينظر إليه بإعجاب وهو يصفق."

بالطبع لاحظنا أن المستوى اللغوي اختلف في النص الثاني، كما رأينا الحركية والدرامية والوصف الحسي ملائمًا لعالم الطفل ولخياله، بالإضافة إلى مشاركة الطفل ووضعه في مركز الحدث.

تبعًا لذلك فاختيار الألفاظ والتعابير يجب أن تلائم العمر أو الفئة العمرية، فمن المشكلات التي يقع فيها كاتب النص للأطفال أنه يكتب المضمون السهل الميسر الملائم لأبناء الخامسة مثلاً في لغة أعلى تلائم سن العاشرة، وذلك بقاموس لغوي لا يتوافق مع مضمون النص، ولست بحاجة لتقديم نماذج على ذلك، فهي أكثر من أن تحصى، فاقرأ نموذجًا مقدّمًا لأبناء الخامسة - كما تبين لنا من مادة المضمون -، ولكن الجمل التي سأذكرها هي دون أدنى شك تلائم طلابًا في العاشرة فما فوق:

" كنت كلما اقتربت من هذه المجموعة التي تحلقت حول والدي لأستطلع الأمر الذي عزموا عليه خفضوا أصواتهم... حتى علمت أنهم يخفون شيئًا مريبًا"[44].

وهناك من جهة أخرى من يجعل الموضوع أو الفكرة التي تلائم أبناء العاشرة في لغة مبسطة وكأنه يخاطب أبناء الخامسة أو السادسة.....

 من هنا، فثمة ضرورة لمن يكتب أدب الأطفال أن تكون لديه ثقافة خاصة - ذات معرفة أصولية لغوية، ومتابعة تربوية، وقدرة على إجراء الموازنات الملائمة...

 ولن أتحدث هنا عن الرسوم التوضيحية التي يكون بعضها تضليليًا أو على الأقل بعيدًا عن روح النص، وهي أكثر من أن تُحصى، فهي جزء من الشكل ولغة النص على مستوى التشكيل.

على ضوء ذلك يجدر الاهتمام بأن يكلف كل مؤلف مدققًا لغويًا، بحيث يراجع اللغة كلمة كلمة وشكلاً شكلاً لكل حرف وحرف، فكيف نجيز مثلاً: ثمانية شّمْعات في كتاب "عيد ميلاد شادي" والصواب ثماني شَمَعات؟ وهل فحصت المؤلفة كيف يكون خبر كان (موافقون) أم (موافقين)؟

 ذكرت هنا نموذجًا عارضًا لا يمثل أصلاً الكثرة الزاخرة من الأخطاء الحاشدة في الكتب...

أصل إلى القول إننا بحاجة إلى البحوث والدراسات الميدانية التي تحدد مستوى النمو اللغوي لدى أطفالنا، بل ثمة ضرورة ملحة لوضع اطر أدعوها "أطرًا احتمالية" – بمعنى أن الطفل يحتمل بل يرجح أن يدركها، وان يستوعبها، وأن يستخدمها.

ذكرت لي بعض المعلمات في مساق قدمته لهن:

وهذه الأطر المقترحة ستُعنى أيضًا بضرورة إضافة مراقبَة لبعض الكلمات الجديدة الهامة في الميدان الذي يخوضه الكاتب، وذلك من منطلق إثراء معلوماته وإكساب مفرداته، والتعريف بها، وبالتالي تحدي معرفة الطفل في مجال تطوره.

لا إنكار أن كل محاولة للتحديد سواء في الفئات العمرية الملائمة لهذا الضرب أو ذاك أو في الأطر الاحتمالية التي أشرت إليها ستأخذ بنظر الاعتبار الذكاء الفردي أو البيئة التي يعيشها هذا الطفل أو ذاك.

فالكتابة للأطفال تستلزم تخصصًا وممارسة ومعايشة للأطفال، وتستلزم متابعة ودراسات متعمقة في اللغة وفي أصول التربية وعلم النفس، وإلى تبيّن مراحل الطفولة وخصائصها. وأولاً وقبلاً إلى معرفة بالقواعد السليمة للكتابة الأدبية وإدراك الأفاق التي يحلق فيها الأطفال ومدى ملاءمة المعاني لقاموسهم اللغوي المنتقى بعناية وتصميم.


أسئلة من عشاق اللغة والأدب

واجتهادات في الإجابة

 

 

 

 

 

 

س - يا عمي، هناك سجال مع كتاب يصرون أن تكتب كلمة التزام: إلتزام.....

فقلنا لهم خطأ، فهي من التزم: التزام، لكنهم يصرون أن همزة الوصل تكتب في أول الكلام هكذا – إ... أفدنا أفادك الله.

          عادل

 

جـ -  همزة الوصل لا تكتب عينًا مقطوعة (عـ) إطلاقًا -

لا فوق الحرف ولا تحته، فنكتب الأفعال الخماسية والسداسية المبدوءة بهمزة - وهي همزة وصل بالطبع بدون حركة (ا) ويمكننا أن نضع حركة الهمزة أيضًا (اِ) فنكتب: اِتَّقِ شر من أحسنت إليه) ويجوز (اتق....) بدون الكسرة - فالفعل الخماسي والسداسي وأمرهما ومصدرهما المبدوءان بالهمزة تكون همزتها - جميعًا - وصلاً (وهي تلفظ في بداية الكلام للضرورة...لأننا لا نبتدئ بساكن، ولفظها لا يعني أبدًا أن تصبح في بداية الكلام قطعًا) لذلك نكتب:

اعتمد (وليس إعتمد) على الله، انتباهك ضروري (وليس إنتباهك) وكفى الله المؤمنين شر الخصام.

 

دكتور فاروق:

س - هناك نقاش حول حق كلمة "صمود" في الوجود كمصدر للفعل (صمد)، ويدافع عن هذا الحق الأستاذ جورج ويعضده الدكتور عبد الرحمن السليمان.

أما أنا فأقول أن (صمد) مصدرها (صَمْد) وهو أيضاً ما نقله الأستاذ باقر الموسوي عن الأستاذ الجليل مصطفى جواد في كتابه قل ولا تقل. فصمد يَصْمُد صمدا مثل صمت يصمُت صمتاً، وشجب يشجُب شجباً، وبرك يبرُك بركاً، ونريد رأيك في هذا الموضوع. هل نطلق سراح (صمود) أم نظل صامدين مؤازرين؟

 

 

جـ:

 عزيزيَّ...تحية فيها سلام...شكرًا لحسن ظنكما وتكليفكما إياي لأن أكون حكمًا فيصلا.... وبعد، فلم يرد في أي معجم قديم المصدر (صمود)..... لكن " المعجم الوسيط " الذي أصدره مجمع اللغة العربية في القاهرة هو الوحيد الذي أورد ذلك، وفي رأيي أن نقبل هذا " التجديد" لسببين:

الأول: شيوع الكلمة وانسيابها على اللسان.....

وثانيًا: أنها لا تخالف قواعد العربية، فالأفعال اللازمة على وزان فَـعَـل مصدرها يطّرد على فُـعول، نحو: قعد، ركع، سجد، قنت، حلّ... أقول- (يطّرد).. لأنه غالبًا ما يقع كذلك... إن "الصِّحاح" للجوهري و"المُحْكم" لابن سيدَه و"مفردات" الراغب و"مقامات الحريري" و"أساس البلاغة" للزمخشري و"قاموس الفيروزأبادي" و"محيط المحيط" و"متن اللغة" ذكرت جميعها أن مصدر صمد هو الصمْـد (بتسكين الميم)، وأن المعنى هو قصد له... وقد فصل مصطفى جواد في كتابه (قل ولا تقل) أن استعمال صمد بمعنى ثبت خطأ... كما ذكر أن الصمود هو خطأ...

ومع احترامي الفائق للدكتور جواد وعلله السبع... إلا أن مصادره التي اعتمد عليها لم تحُل دون وجود شواهد أخرى تؤيد استعمالاتنا، ونحن نتبناها - لأنها لغتنا المستعملة والمألوفة، فقد ورد في "النهاية" لابن كثير: (في حديث معاذ بن الجموح في قتل أبي جهل: "فصمدت له حتى أمكنني منه غِرّة " أي ثبتُّ له وقصدته وانتظرت غفلته، وقد ورد في "لسان العرب" قول علي كرمه الله: (فصمْدًا صمدًا حتى يتجلى لكم عمود الحق !) - أي ثباتًا، ثم قال اللسان: أصمد إليه الأمر = جعله إليه... ومن الضرورة أن يكون في ما نصمد إليه أن يكون ثابتًا....

والصمد من الرجال هو الصابر الثابت الذي لا يجوع ولا يعطش في الحرب... والناقة المِصماد هي الباقية على القر والجدب (لاحظ كلمة - الباقية). وأما قوله تعالى (الله الصمد) فمن معاني الصمد = المقصود عند الحوائج، فإذا قصده الناس فذلك مما يدل على ثبات له -..... وبالتالي فإن حجج الدكتور جواد مؤسسة على رفض المعنى المعاصر، وقد أفدت في بيان رأيي من محمد العدناني رحمه الله وجزاه خيرًا (وذلك في: "معجم الأخطاء الشائعة"... لكنه لم يبتّ نهائيًا في مسألة قبول الصمود، ويرى أن ننتظر صدور "المعجم الكبير" لاعتماد رأي المجمع).... وفي رأيي أن نبرر الشائع بما يتوافق مع التراث ولا يناقضه، وذلك من باب القبول إذا اتكأنا ولو على بيّنة، وفي ذلك تُضحي لغتنا يسرًا لا عسرا.....وأرجو أن أكون قد اجتهدت وأصبت.

 

 

* حضرة الأستاذ الدكتور فاروق مواسي المحترم

 

اللغة العربية المنطوقة لها لهجات مختلفة باختلاف المنطقة الجغرافية التي يعيش بها الناطقون بتلك اللهجة، وأقصد هنا لغة العرب في العصر الجاهلي وعصر الرسالة الإسلامية وما تلاها من عصور إسلامية.

سؤالي ذو شقين:

الشق ألأول: متى دخلت الألفاظ الغريبة على مخارج الحروف العربية، وعلى سبيل المثال لا الحصر (ج) Gaf كما باللهجة المصرية في كلمة (جدع) Gada'a والقاف المصرية واللبنانية وجزء من السورية حيث تلفظ (أ) أئولك (أقول لك)، ولفظ الثاء (س) - مسال على ذلك - (مثال على ذلك)... وغيرها الكثير.

هل يمكن لمتخصص أن يضع خطة لإزالة هذه الألفاظ الغريبة والدخيلة (إذا اتفقت معي بانها دخيلة)، ولا يخفى عن علمكم أن لغات كاملة تم تغييرها عندما أريد لها أن تتغير، مثل التركية المكتوبة، والمالوية المكتوبة وبعض المنطوقة منها

وتقبل شكري وعظيم امتناني مسبقًا

باقر الموسوي

 

 

 

ج -

أخي باقر حياك الله وبياك، وفي لغة اليوم: مرحبًا !...

تعرف ولا شك أن لغة العرب كانت منها الجنوبية في اليمن والشمالية في الحجاز، والجنوبية هي أقدم، وقد عثر في اليمن على نقوش مكتوبة................... أما لغة الشمال فهي لغة العدنانيين، وهي أقرب اللغات إلى الأصل الذي تفرعت منه اللغات السامية..وقد مرت هذه اللغة في مراحل تهذيب... سببه هجرة القحطانيين إلى جزيرة العرب، ثم إن لبيت الله الحرام وللأسواق كبير أثر في التقليل من هوّة اللهجات المتباينة....أما الفضل الأكبر فيُرصد للقرآن وللرسول ومن تبعه في فصاحته وبيانه....إن البيئة ونزوح الديار واختلاف الحياة المادية، وتنوع طرق الارتجال أبقى في كل قبيلة ميزات هنا وهناك.....، ولكن القرآن لم يلغ في عشية وضحاها هذه اللهجات التي كانت وبقيت إلى حد بعيد..... فهذه قضاعة لها جَعْجعة...أي أنها تجعل الياء جيمًا فيقولون الراعج (بدلا من الراعي) وكانت في اليمن شَنشـنة ولعلها هي التي نسمعها في منطقتنا، فيجعلون الكاف شينًا (عليش) أما نحن اليوم فنجعلها في باقة بلدي - مثلا (إتش كالحرف الإنجليزي)....أما حِمْـير فلهم طُمطمانية، فيجعلون اللام ميمًا، فيقولون (أمكتاب) بدل (الكتاب)..... وبهراء لها تَلْتلة وهي كسر أول المضارع، ولهجات اللبنانيين خاصة فيها هذه التلتلة كما هي في لهجات عربية أخرى (يِروح، نِعيد .....)، وتميم فيها عنعنة - فهم يبدلون العين من الهمزة المبدوء بها، فيقولون في أن (عن) ولن أواصل شرح كشكشة أسد ووَهْم كلب ووكْم ربيعة ولَخلخانية عُمان واستنطاء سعد بن بكر.....فليعد الباحث إلى المظان.....فالهنات في اللهجات قائمة تتوارد فترة بعد الأخرى منها ما كان في لهجات الناس العاديين، ومنها ما تولد بسبب الانقطاع عن المعرفة والعلم.....

 

وبالطبع فصور القاف - مثلا - لدى التجمعات العربية اليوم مختلفة باختلاف المواقع والأصول، ولا سبيل إلى إلغائها إلا بالعودة إلى المصادر وتبني الثقافة وتقدير العلماء، واعتماد الفصيحة في معاهدنا ولقاءاتنا الثقافية،....ذلك لأن كل لغة غرضها أولا وقبلا - الإبانة عما في النفس، فتتصل بين المرسِل والمستقبِل، وهي ذريعة لتيسير أعمال الحياة أولا، ولما أن كانت الحياة تتجدد فواجب أهل اللغة أن يواكبوا إصابة الغرض وتقديم ما هو متأتٍ للقبول في صحة معنى ولطف إشارة.... وأقترح على من يحب أن يقرأ لي عن الفصاحة ومداليلها أن يعود إلى مجلة (نزوى) العدد التاسع والثلاثين...فلي مقالة فيها، وبإمكانه أن يطالع المقالة كذلك في موقعي - في باب (الجديد لديّ).

 


 

تحية وتقدير للأستاذ الدكتور فاروق مواسي

 

وبعد شكري وثنائي على إجابتكم المسهبة حول اللهجات، كنت قد طرحت سؤالا على أحد المنتديات ولم يحالفني الحظ بالرد عليه من أحد، فوجدت الفرصة مواتية لعرض هذا الأمر عليكم. فيما مضى كنت أسمع من خلال نشرات الأخبار استخدامًا لكلمة (مما)، ولاحظت استبدالها مؤخرًا ب (ما)..ولا أعلم إن كانت هذه ما الاستثنائية ومدى صحة استخدامها، وإليك المثال التالي: انقلبت حافلة في الطريق السريع ما أدى إلى مقتل جميع ركابها. وكنت أسمع سابقًا:(مما أدى...)فما هو رأيكم في الاستخدامين؟ ولكم عظيم تقديري

باقر الموسوي

ج –

* عزيزي باقر، ولك تحية.....إن (مـمّا) هي الأصوب، وقد وردت كثيرًا جدًا في كتب التراث بما لا سبيل إلى إحصائه، فانظر الصفحات الأولى من " إحياء علوم الدين – الجزء الأول " وانظر هذا النص الوارد في " أسرار البلاغة " ص 11 للجرجاني:......"المعاني المركوزة في طبيعته، مما يعود إلى الجرأة، وهكذا... وفي رأيي أن هذه الـ (ما) مصدرية، ففي قولنا: أسرعت السيارة كثيرًا..مما أدى إلى انقلابها، فالمصدر المؤول من (ما) والفعل في محل جر بمن.....، ويصح أن نحذف حرف الجر على قلة، وهو ما يسمى نزع الخافض، فيُقال: أسرعت السيارة...ما أدى إلى انقلابها، ورغم ضعفها فإن إعرابها: المصدر المؤول من (ما المصدرية والفعل في محل نصب بنزع الخافض...وأنا لا أنصح باستخدام هذا التعبير، لأن (ما) قد تكون زمانية ظرفية، فيكون المعنى أسرعت السيارة طيلة الوقت الذي أدى إلى انقلابها به....(على نحو: سأجيبك ما سألتني يا باقر)، وعندها لا يكون معنانا محدَدّا ودقيقًا... واسلم للمخلص.... وللبحث صلة إذا أحببت....

 

- أضف رجاء فالعلم إناء لا يمتلئ:

ج -

 

الشكر لك على هذا التحفيز للهمة... والتحية لك..... نظرت في مصادر كثيرة قديمة أوردت التعبير (مما أدى إلى...) ولم أقع فيها على حذف (من) المدغمة.... وقد ارتأيت أنه يجوز اعتبار (ما) اسمًا موصولاً، وليس قصرًا على المصدرية... ولا غضاضة - في رأيي - إذا حُذفت (من) بشرط ألا يحدث التباس، نحو: أكل الجائع طعامًا كثيرًا مما جعله يتخم...، فهنا لو حذفت (من) لأصبحت (ما) نعتًا ثانيًا للطعام، وليس فيها أية (نتيجية أو مسبَّـبِـيـة).... ومع ذلك ففي جملة أخرى، نحو حدث زلزال كبير، ما أدى إلى انهيار المباني، فهنا يستقيم معنى النتيجية.... ويصح هنا إعراب الاسم الموصول خبرًا لمبتدأ محذوف تقديره (الأمر أو الناتج... إلخ)، وبالطبع ففي إعرابي المختلف عما هو أعلاه إنما يرد هذا وذاك من باب الاجتهاد، لأن التعبير مستجد، ولا بد لنا من البحث عن الإعراب، لأن الإعراب متعلق بالمعنى - كما نعلم -.... أخلص إلى القول إن استعمال (ما) النتيجية (إذا قبلتم تعبيري) يتعلق بالسياق وبضرورة عدم اللبس......

ولا بد من العودة إلى مصادر أخرى عالجت (مما):

إن (مما) تعني (ربما) للتقليل وللتكثير حسب السياق، واللفظة مؤلفة من (من) = (ما).

يقول محمد الطاهر بن عاشور (مجلة مجمع اللغة العربية – 9، ص 116) ما يُلخص بالتالي:

"إن هذا التركيب إذا استعمل هذا الاستعمال يجيء في موضع خبر المبتدأ، ويجيء في موضع خبر كان، وفي موضع الحال. دراسته مما يوثق بها... وفي حديث مسلم: "إن رسول الله كان مما يقول لأصحابه....."

 وربما أعود إذا واتتني فكرة جديدة.

 

 

 

أخي الدكتور فاروق،

أسعد الله مساءكم،

البيت التالي (لعله للفرزدق؟) يحيّرني أمره:

ما قالَ (لا) قطّ إلاّ في تشهّدِهِ   لولا التشهّد كانت لاءهُ نعمُ

فلربما كان من الواجب أن يُكتَبَ هكذا:

ما قالَ "لا" قطّ إلاّ في تشهّدِهِ  لولا التشهّد كانت لاؤهُ "نعمُ "

لعلّ ذلك يخفّف من وطأة ما فيهِ من خطأ نحوي. وإلاّ فهل لديكم تفسير لهذا اللحن؟

جورج فرح

 

عزيزي جورج ولك تحية

أولاً البيت للفرزدق، ومنهم من يرويه للحزين الكناني أو لداود بن سلم، لذلك فعلامة استفهامك على حق، مع أن الشائع أنها للفرزدق...

ولكنك لست على حق إذ كتبت (لاؤه نعم ُ) والصواب (لاءَه نعم).لأن (لاء) خبر مقدم منصوب.

وهذا من باب القلب في اللغة، فكان المعنى: لولا الشهادة الأولى ونقول فيها: لا إله إلا الله - لكانت هذه اللا نعم، وذلك لكثرة إيجابه وقبوله ولاستمرارية قول نعم المتردد عنده، فهو مضطر اضطرارًا لاستخدام (لا) في صلاته....

و القلب هو تبديل الكلمات واحدة بدل الأخرى، فقد ورد في القرآن الكريم:{وأولئك الأغلال في أعناقهم} فالأعناق هي التي تكون في الأغلال ولكنه قَلب...

ومنه قول رؤبة:

ومهمهٍ مغبرّة أرجاؤه    كأن لونَ أرضه سماؤه

أي كأن لون سمائه لونُ أرضه، فعكس التشبيه، وحذف المضاف....

ويدخل القلب في باب المبالغة.

وأذكر يا جورج من شعري ما قلته في هذا الباب:

إذ قام ينزع جسمَه المدفونَ في ثوبِ العذاب....

وأتى بعريٍ وانتباه

"ينزع جسمه" بدل ثوبه، وهذا من كثرة القهر....

 وأرجو أن أكون واضحًا...فقد كان من حق المتلقي أن يسمع كانت الـ ( لا ) نعمًا لكثرة ما يستجيب هذا الممدوح ( يقول الشاعر: كانت لاؤه نعمًا - إذا اعتبرناهما اسمين على الحكاية)، لكنه قلب مبالغة فجعل كلمة الـ (نعم) لاءَه (خبر كان)، وهو لم يقصد ذلك...وعلى نحو هذا الآية الكريمة..وشعر رؤبة...وسطري الشعري وقد ذكرت ذلك أعلاه.

 القلب في البلاغة هو للمبالغة، و الباحث يجد الكثير منه...

 وأحب أن أضيف لك أن الرواية إذا صحت لداود بن سلم فالمخاطب هو قثم بن عباس، وإذا صحت أنها للحزين فالمخاطَب هو عبد الله بن عبد الملك، بل ثمة من رواها لخالد بن يزيد مولى قثم وقد قالها فيه (انظر الأغاني ج 15، ص 263).

وجدير بالذكر أن اللغويين لاحظوا الخروج عن الأصل النحوي (الذي سميته أنت ظلمًا لحنًا)، فرووا البيت هكذا:

لولا التشهد لم ينطق بذاك فم

 

صديقي العزيز جورج: تحية أولاً

أراك ما زلت مصرًا على رأيك، فأين طالعت (كانت لاؤه نعمُ) ؟ في أي مصدر جدي ؟ اذكر لي اسم كتاب واحد رجاء !

ثم إن ( القلب ) ليس مصطلحًا معروفًا في كتب البلاغة التي درسناها أو نعرفها...وهو لا يسمى (قلب المعاني) لأن هذا مصطلح آخر في سياق آخر، فقد تعرفت إلى القلب من كتاب (إعراب القرآن الكريم وبيانه) لمحيي الدين درويش - جزاه الله خيرًا !

ثم إن الرواية الأخرى (لم ينطق بذاك فم) لا تقلل من شأن، ولا من سيرورة الرواية التي نعرفها، فبعض النحويين إذا أنكروها فلا يعني أنها خطأ أو لحن، فيرجى أن نتوقف عند نقطة التعلم، ونقول كما في الذكر الحكيم: " وما أوتيتم من العلم إلا قليلا "، وأن نتعلم دائمًا ما هو جديد ودقيق ويعتمد على الأصول، وإذا رغبنا في التجديد فبعد معرفتها..

ولك تحية فيها سلام...

 

 

* سؤال حول صحة ألفاظ: دحش، كحش، عواري، برغاس  

           أحمد

 عزيزي أحمد، وتحيتي فيها سلام !

أما دحش، ومثلها كحش، طحش فيكفي أن نجد معنى واحدة للدلالة على الثانية، وقد أفرد ابن جني لمثل هذا الإبدال في كتابه الهام الخصائص...فإذا وجدت الكلمة الدارجة (كتّ) فلا بدع إذا وجدت لفظة زتّ أو زطّ دون أن يكون لها أصول في المعاجم.

أما (العواري) فأرى أنها جمع عارٍ أو عارة، مثل حارة حواري... وتجد نماذج أخرى، فالعامية تفضل جمع التكسير أكثر...

ولفظة (البرغاس) لم أقع عليها في معجم الألفاظ المصرية لعبد العال، ولم أقع على المثل في كتاب أحمد تيمور...، وأقترح أن تزور مكتبة الجامعة لتبحث في قاموسي (ماسبيرو) و (فير wher) وكثيرًا ما كنت أسافر لمثل ذلك.

وختامًا فليس من مجالات تخصصي أن أتقصى اللهجات الدارجة، ولكنني بحثت، وأرجو أن أكون قد أعنت...

...أما القصد فهو أن الإبدال قائم في زت أو كت، حيث أن الحرف الواحد تغير وظلت الدلالة نفسها، وابن السكيت في كتابه (الإبدال، ص119) ذكر عشرات منها بل مئات، نحو: مدح هي نفسها مده، ومد تساوي في المعنى مط ومتَّ... وما ينطبق على الفصيحة انطبق على الدارجة، والدارجة كما تعلم لها اعتماد على الفصيحة أو اللغات الأعجمية، فهي تختار الأيسر للتوصيل.

 

أما لماذا عدت إلى زطّ بعد (زتّ) فأعني أن الإبدال قد يتغير موقعه.. نموذج: نط، فط بمعنى قفز، ثم قد يكون إبدال آخر من (فطَّ) قريب المعنى، فمن فط: فعّ، فزّ...وتلاحظ أن سائر الكلمات فيها معنى الانتقال، نحو: فل، فج، فر، وحتى فك فيها تغيير وانتقال، وقس على ذلك...

 

أستاذنا الفاضل الدكتور فاروق أدامه الله

ما الفرق بين استخدام عديد وعدد؟

لفت انتباهي أن استخدام كلمة (عديد) أصبحت ظاهرة للعيان كبديل لكلمة (عدد)، مثل " وقُتل عديد منهم..."

لك تقديري و لا أخلى الله مكانك !

          باقر

 

صديقي باقر (وباقر في اللغة تعني المتوسع في العلم، وبه لقب أبو جعفر محمد بن علي زين العابدين ابن الحسين ت 732 م )

لك تحية أولا

وبعد فأما (العدد) و(العديد) فهما مترادفان، غير أننا نخص العديد بعدد أكبر، فيقال: ما أكثر عديدهم ! وهم عديد الحصى، ولكن هذا غير ملزم في المعاجم ، فبإمكانك أن تقول أيضًا: هم عدد الحصى، وما أكثر عددهم. جاء في المعاجم: العديد = العدد ؛ وحتى جمع (عديد) يأتي أيضًا على( أعداد) بالإضافة إلى (عدائد)، وبالطبع فإن (عدد) جمعها (أعداد) فالجمع إذن مشترك، وكلتاهما تعنيان مقدار ما يُعد ومبلغه.

 

أخلص إلى القول إن الاستعمال المعاصر (لا المعجمي) يوحي بكثرة العديد. فإذا قلت: تعرفت إلى عديد من الشعراء، فهذا المعنى يوحي بالعدد أكثر من قولي: تعرفت إلى عدد من الشعراء...فالجملة هنا حيادية في كمية العدد فقد يكونون كثارًا، وقد يقلون نسبيًا..

.أما الأولى فهي تدل على كثرة مؤكدة....قلت: هذا هو الاستعمال المعاصر، أما في القديم فلا فرق في المعنيين، ولم يورد أبو هلال العسكري في كتابه الفروق ما يظهر أدنى فرق.

فائدة: يقول طرفة في معلقته - كما ورد في جمهرة أشعار العرب للقرشي:

أرى الموت أعداد النفوس ولا أرى بعيدًا غدًا، ما أقرب اليومَ من غدِ!

فلفظة (أعداد) هي جمع (عــِدّ) وهو البئر القديمة، ويعني الشاعر أنه لا بد من أن يردها كل واحد وفي القريب.

احتاج واحتاج إلى

س: أيهما الأصح: احتاج الشيء أم احتاج إلى الشيء ؟

ج –

الأصل أن نقول: احتاج إليه، ولكن التضمين (أي نقل معنى كلمة إلى معنى آخر مرادف) قد يجيز احتاج له واحتاجه أيضًا، وسأعطيك بعض النماذج في التضمين المقصود - قال تعالى:{وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا...} والأصل أن نقول خلا بـ، وليس إلى، ولكن المعنى في القرآن هو انتهوا أو أفضوا، ولذلك يصح أن نقول خلا إلى..

قال تعالى:{... ويمدهم في طغيانهم يعمهون}، واللغة تستعمل "مد له في الشيء"، ولكن القرآن ضمن معنى يزيد... وهناك عشرات من الأمثلة الشعرية والنثرية غيرهما.

أخلص إلى القول: الأفضل استخدام الأصل، ولكنك إذا ضمنت معنى فعل آخر، نحو: اسأل مثلا، فعندها يجوز لك أن تقول احتاجه مباشرة، وهكذا

 

س - ما هي طريقة كتابة الأعداد، هل نكتبها أم نتركها أرقامًا ؟

ج - يا صديقي حسن:

تحية

ليس هناك أمر ملزم لدى القدامى بطريقة كتابة الأعداد، مع أن الكتب التراثية لا تكتب الأرقام، بل تجعلها مكتوبة، وتُقرأ عكسًا، فهم يقولون ولد سنة خمس وستين وأربعمائة وألف.

أما أنا شخصيًا فأكتبها كتابة إذا كانت ضمن مقالة لغوية أو أدبية، فأنت مثلا تبلغ أربعًا وأربعين سنة، وقد حظيت بخمسمائة رسالة تقدير.. أما السنوات أو الأعداد الكبيرة فأرى أن أجعلها أرقامًا، فأنا ولدت في أواخر عام (1941) وأنفقت هذه السنة (15678) دولارًا تقريبًا.... هل تصدق ؟؟!!

س – كيف نكتب هيئة أم هيأة ؟ وما حكم الهمزة إذا تطرفت وقبلها ساكن  ثم لحق بها ضمير: عبؤه أم عبئُه ؟

ج -

إذا كانت الهمزة مفتوحة مسبوقة بياء ساكنة فإن الهمزة تكون على نبرة، نحو هيئة، جيئة، جريئة، مضيئة.

وتكتب على نبرة (أي كرسي - شبه الياء، ولا يصح أن نقول على "ياء") إذا كان التوسط عارضًا وهي متحركة بالحركات الثلاث، نحو: دفئُكم كان قد سبق فيئََـكم في ملئه، فقد رسمت على نبرة لوقوعها مسبوقة بياء ساكنة وأمكن وصل ما بعدها.

ملاحظة: بعد الحرف المنفصل تأخذ الهمزة حرفًا يلائم حركتها، نحو: رزؤه بلغ جزأه في درئه.

أما عبئـــَُِه مثلا - ففي الحركات الثلاث تبقى على نفس الصورة.

تتمة وإجابة لمستفسر:

......

كتبت أعلاه القاعدة التي أوردها عبد السلام هارون في قواعد الإملاء وعبد العليم إبراهيم في الإملاء والترقيم وأبو رزق في الإملاء الصحيح، وأعيد القاعدة:

فإذا كانت الهمزة مفتوحة مسبوقة بياء ساكنة فإن الهمزة تكون على نبرة، نحو هيئة، جيئة، جريئة، مضيئة.

أما (المنجد) فقد أورد القاعدة بما لا يتناقض، فذكر ما يلي:

"أما إذا كان قبل الهمزة معتل فتكتب بصورة الياء بعد الياء، نحو خطيئة، بريئة ... (صفحة ف)، وهذا ما أورده أيضًا الشرتوني في مبادئ العربية ج 4 مادة 64.

..... ونحن لا نتوسع بالحديث عن غير (هيئة) وأضرابها.

وحتى لا أغمط معرفتك وذاكرتك فقد قرأتها أنا أيضًا لدى من يجعلها (هيأة) ودهشت لذلك....، ولا أذكر أين ؟ وهل هو مصدر جدي أم غير مسؤول ؟ وكان المنطق لديه - هو أنــه أخذ أو اعتبر حركتها بعد السكون أسوة بكل همزة ترد بعد السكون، لكن هذا خطأ في رأيي، فلو صح ذلك لكتبنا (خطيأة)، (مضيأة)، يضيؤُه ؟؟؟

واسلم لمحبك

    فاروق

 

 

 


 

س – ما سر هذا الخطأ في كتابة ظروف ؟

أحبائي !

لا حاجة لتكرار القول إن الظروف هي بالظاء، وأن ليس هناك ضروف (هناك الضَّـرِف = نوع من الشجر)، فالخطأ في اللهجة لا يبرر أن تكون الكلمة صائبة، فمثلا هناك من ينطق القاف كافًا فيقول عن القلب = كلب، فهل نجوّز هذه اللهجة في اللغة؟؟!! ولا أظنك تريد مني أن أعلل أسباب هذه اللهجات واللحن، فقد أشرت إلى سبب ذلك في إجابة سابقة لدى حديثي عن نشأة اللغة ولهجات القبائل.

وعلى ذكر الضاد والظاء فإن هناك أرجوزة وضعها ابن قتيبة كان قد نشرها داود المَوْصِلي في مجلة لغة العرب ج 6 السنة السابعة (ص 461 - 463)، وهي في خمسة وأربعين بيتًا ضمنها ألفاظ الضاد والظاء المتفقة في اللفظ والمختلفة في المعنى، فالغَيـض ما يعرض للماء من النقصان، والغيظ هو الغضب وهكذا.. ومن أمثلة أبياتها:

واعلم بأن الظهر ظهر الرجل

                                     والضَّهر أيضًا صخرة في الجبل

والظن في الإنسان إحدى التهم

                                            وهكذا الضَّـن البخيل فافهـم

وقد أورد الجاحظ في البيان والتبيين 2 ص 211) فكاهة تدل على هذا الخلط بين الضاد والظاء:

"وزعم يزيد مولى ابن عون، قال: كان رجل بالبصرة له جارية تسمى ظمياء، فكان إذا دعاها قال "يا ضمياء" بالضاد، فقال ابن المقفع: قل يا ظمياء، فناداها ثانية: يا ضمياء، فلما غير عليه ابن المقفع مرتين أو ثلاثًا قال له: هي جاريتي أو جاريتك ؟؟؟!!!"

وفرقت لغة قريش - بدليل حروف الكتابة العربية - بين الحرفين...ولكن الخلط ظل قائمًا بين الحرفين في بلاد العرب على اختلاف مواقعهم.... حتى كانت هناك كتب لمعالجة المشكلة (انظر الإحصاء الذي أجراه د. رمضان عبد التواب لهذه المؤلفات الكثيرة في مجلة المجمع العلمي العراقي (المجلد 21 سنة 1971 والمقالة بعنوان: مشكلة الضاد العربية وتراث الضاد والظاء)

وكان أن توجه إلي أحد الأصدقاء بسؤال حول كتابة (الظفر) وهل هي بالضاد أم بالظاء فأجبته:

أما ضفر بالضاد فهو الحزام وكل ما يُضفر من جديلة وشبهها و(الوسيط ) يقول ذلك، ولا يورد معنى الظفر بالضاد.

أما الظفُْر (تسكين أو ضم الفاء فهو الأظفور - المادة القرنية بطرف الأصبع، وجمع ظفر: أظفار، ولذا نقول: منذ نعومة أظفاره (وليس أظافره، لأن الأظافر هي جمع الجمع وليس للإنسان أظافر كثيرة جدًا بل هي أظفار. أما سبب الخطأ في تقديري فهو لهجتكم السورية ليس إلا، إذ تجعلون الظاء ضادًا (ضهره، صلاة الضهر...) والله أعلم.....

س -

يقول كثيرون أن الفاصلة يجب أن تلتصق بالكلمة التي تسبقها في حين يترك مساحة بينها وبين الكلمة التي تليها، مثال: عاد الدكتور فاروق مواسي، و هنأه الجميع بالعودة المظفرة.

يقولون هذا خطأ شائع.والأصح أن تكتب كما يلي: عاد الدكتور فاروق مواسي، وهنأه الجميع بالعودة المظفرة. أي أن الفاصلة تلتصق بـ "مواسي" وتليها مساحة. كما أن حرف العطف "الواو" يكون متصلا بالكلمة التي تليه "هنأه"، وليس هنالك مساحة أيضا بين القوسين والكلمات التي تقع بينهما كما يلي: (عاد الدكتور فاروق مواسي، وهنأه الجميع بالعودة المظفرة).

 

* ج -

 محبتي مع بسمتي

وبعد

فقد عرف العرب علامات الترقيم على النص القرآني، وذلك بوضع إشارات وحروف فـ (مـ) فوق الحرف تفيد لزوم الوقف و (ج) جواز الوقف و (لا) للنهي عن الوقف وهكذا....

ولم يعرف العرب علامات الترقيم التي نستعملها اليوم إلا في عصر النهضة وبتأثير اللغات الأوروبية....وهي بالطبع مهمة، لأنها كإشارات المرور توجه المعنى في الجملة، أو قل - هي كحركات التعبير في جسمك عندما تساعدك على الأداء..

وثمة كثيرون من وضعوا تحديدًا لاستخدام علامات الترقيم أو تقنينًا لها، وكلها تترسم خُطا (خطى) قواعد الإنجليزية والفرنسية.

ولم أجد فيما قرأت من عشرات المصادر ما يحدد أن الفاصلة (أو الفصلة أو الفارزة ) يجب أن تكون متاخمة للحرف الأخير قبلها، بل وجدت هذه العلامة بعيدة قليلاً في كتب عبد السلام هارون ومحمد أحمد شاكر وعبد العليم إبراهيم وهم من كبار الدارسين والمحققين....

ومع ذلك، فإن الدروس الأولى في الطباعة على الحاسوب تصر على وجوب عدم ترك فراغ ما بين الحرف والعلامة، وما عليك إلا أن تجرب كيف أن التصحيح في الحاسوب يطالبك بذلك.ولي رجاء أن يفحص أحد المتابعين علامات الترقيم في الإنجليزية وكيف تُطبع، فلعله يجد ما يشفي غليلنا، ولعل ذلك هو الموجّه الأول لمبرمجي الحاسوب... أما أنا فقد تابعت المصادر الإنجليزية والألمانية الميسرة لي (ولا أزعم أنها كافية) فلم أقع على أية بينة تبرر خطوة الحاسوب أو القائمين عليه، حيث ستبين ذلك من خلال الخط الأحمر الذي يدعونا إلى التصويب.

 

أما واو العطف وما يشبهها فهي جزء من الكلمة، فهي ليست (and) الإنجليزية أو (und) الألمانية، وقس على ذلك في اللغات الأخرى. فالحرف (و) لا يمكنه إلا أن يتصل...، ونحن لا نفصل الحرف الواحد إلا إذا كان فعلاً ناقصًا مثل (قِ)، (فِ) (رَ)....

وملاحظة أخيرة لا بد منها:

 الفاصلة بهذا الشكل، أي تكتب بالصورة التي اتفق عليها، وعلينا أن نكف عن رسمها كما هي بالعبرية أو اللغات الأوروبية (,) ؛ فبذلك يكون توحيد الأداء، وتوحيد الأداء هو الذي يجعلنا نحرص على طريقة كتابة الهمزة، وعلى عدم الوقوع في اللحن.... وكما أنه:

لا يصلح الناس فوضى لا سراة لهم    ولا سراة إذا جهالهم سادوا

فإنه - حسب رأيي -:

 

لا يصلح الفن فوضى لا قيود له        ولا قيود إذا "أشكالهم" قادوا

واسلم لأخيك المحب

 

س - ما معنى فرهود، وما دلالاته:

ج –

أما السؤال عن معنى فرهود الذي وُجّـه إلى منتدى الخبير اللغوي فسأتطوع للإجابة عنه:

فمعاجم اللغة تشير إلى أنه الغلام الممتلئ الجسم، والغليظ...وكذلك فإن الفُرهُد والفُرهود هو ولد الأسد، وفي مكان آخر: ولد الوعل.

ويبدو أن العامية العراقية استعملت (تفرهد) في اللباس أو في السكن بمعنى (توسع - أي كان في لباسه أو سكنه سَعة )، وفي فلسطين تستعمل في بعض المناطق أيضًا.

غير أن المعنى في العامية العراقية اليوم يعني السرقة والسطو أو هجمة الغزو بقصد ذلك، وقد عرفت اللفظة من كتابات الكتاب اليهود العراقيين الذين يرددون ليلة (الفَـرهود)، وما عانوه فيها...مع أن حظهم - في فترة نوري السعيد - ربما كان أفضل من حظ غيرهم من الطوائف، والله أعلم، والراسخون في تاريخ العراق يقولون "شهدنا أو لم نشهد".

 

والعلاقة اللغوية بين معنى الممتلئ الجسم والغليظ وبين العدوانية هي علاقة اتصال سببي، وقد رأينا مثلاً من اللغة، فـ " الشاطر" في المعاجم هو الذي أعيا أهله خبثًا ومكرًا، فإذا بهذا المعنى يتصل بنوع من المهارة والقدرة حتى تغير المعنى إلى ما هو متعارف عليه اليوم - (الماهر).

 

ولي اجتهاد آخر أن الاسم (فرهود) ينتشر بين عشائر العراق (انظر كتاب عشائر العراق للعزاوي - مثلاً)، فربما كانت عشيرة هناك تدعى (فرهود)، وكانت هذه تقوم بالسطو والنهب....وفي هذا سبب لغوي كاف لتعميم الدلالة...وثمة أكثر من مثل لغوي من تسميات العقيرة، المومس، الغائط.... وغيرها ولكل منها قصة تسمية.

 

س - دكتورنا وأديبنا الكبير،

افتتحنا قسم قواعد اللغة الإنجليزية على "منتدى الطلبة" للطلبة والمهتمين وهنالك عنوان باسم:

كلمات وعكسها - Words opposite in meaning

"كلمات وعكسها". وأنا محتار في التسمية! أحيانا أكرر داخلي "كلمات وعكوسها".

فقلت لم تظل حيرتي ولغوينا المخضرم الكبير في البال والوجدان والجوار. اذهب واسأله قبل أن تهجم علينا تعليقات الآخرين، لأنه جزء من تسلسل وعمل متكامل سينشر تباعا.

عامر

ج –

صديقي

أما العكس في اللغة فهو قلب الشيء، فعكسه تعني قلبه،  والعكس في المنطق = تبديل في طرفي القضية لتنشأ قضية أخرى مساوية للأولى في الصدق.

 أما في البلاغة فهي تقديم جزء من الكلام على جزء آخر عكسه: المعري فيلسوف الشعراء

 شاعر الفلاسفة، أو - إن جمال الفعل فعل الجمال....

وفي الرياضيات يقال إن هذه النظرية عكس تلك إذا كانت نتيجة كل منهما مقدمة للأخرى.

وقد انتبهت منذ سنين إلى أننا في العربية لم نهتم بتخصيص المؤلفات للنقيض من الكلمة - كما يفعلون في لغات عديدة، فعلى كثرة اهتمامنا بكل فروع اللغة من مشترك وتضاد ومترادف ومجاورة وتوارد...إلخ لم نجعل فصلاً فيه: جميل نقيض قبيح، كبير نقيض صغير ؛ وإنما أفردنا اهتمامًا بالأضداد، فالضد ما يحمل المعنى ونقيضه - أي يحل معنيين متباينين، نحو: جلل = عظيم، حقير، ولفظة (مولى) تعني السيد كما تعني العبد. وعندما عرفوا (الطباق) قالوا إنه الجمع بين معنيين متقابلين في جملة، نحو:(ضحك المشيب برأسه فبكى).

إذن، ليست كلمة (العكس) واردة بالمعنى الذي نقصده اليوم، ولم يكن هناك دروس في ذلك يهتم بها الطلاب كما يهتمون اليوم...

ولما أن شاعت الكلمة، وهي ليس بعيدة الدلالة عما هي عليه في المعاجم، فلا بأس من استخدامها رغم دلالتها المختلفة، ولا حاجة إلى جمع المصدر (عكس)، لأننا لا نجمع مصدرًا، على نحو: الوفاء، الكرم، الجِدّ، الغضب... فقل: كلمات وعكسها ؛ مع أني لو كنت مكانك لكتبت: كلمة ونقيضها.

         وشكرًا ومحبة

س – وما رأيك في ضد بمنى العكس ؟

ج –

ورد في لسان العرب:

الضد كل شيء ضادَّ شيئًا ليغلبه، فالسواد ضد البياض، والموت ضد الحياة، وقال ابن سيده في المحكم إن ضد الشيء خلافه.

ولكن المشكلة أن الضد تعني أيضًا مثله، وعندما قلنا: هذه الكلمة من الأضداد (جَون - مثلا) فإنها تعني الأبيض وتعني الأسود، ويمكن التمييز بينهما في الجملة... وقد سميت الواحدة ضدًّا، لأن معنى ضد في اللغة = مثل الشيء وكذلك خلافه، ففي التنزيل: {ويكونون عليهم ضدّا}- أي يكونون عليهم عونًا، قال الشارح: يعني الأصنام التي عبدها الكفار تكون أعوانًا على عابديها يوم القيامة......

 ومن هنا سميت كل الكلمات التي تؤدي معنيين متناقضين أضدادًا. ولما أن كانت (ضادّ) واسم فاعلها (مُضادّ) قد يؤدي إلى اللبس - بسبب اشتقاقه من الضد - فلا ضرورة إذن للجوء إلى (مضادات الطائرات والكلمات، لأنها قد تعني الرادعات)، وكان أولى كذلك أن نقول إن: جميل ضد قبيح وكريم ضد بخيل....إلخ ، فهي واردة في المعاجم.

ومع ذلك فإني أفضل النقيض لأن لها معنًى واضحًا محددًا، وقلت: لا بأس إذا استخدمنا

(العكس)....انظر أعلاه !

 

* س – حول بيتي:

أعلمه الرماية كل يوم              فلما استدّ ساعده رماني

وكم علمته نظم القوافي             فلما قال قافية  هجاني

 أفدنا من القائل !                                                              أحمد

ج -

يا عزيزي أحمد:

البيتان هما من قول مالك بن فهم الأزدي، ومنهم من يقول إنهما

 لمعن بن أوس، بل قرأت في كتاب " تصحيح التصحيف وتحرير التحريف " للصفدي أنهما لامرئ القيس *:

وأحب أن أصوّب لك بيت الشعر الأول:

   أعلمه الرماية كل يوم    فلمــــــا استدّ ساعده رماني

   وكم علمته نظم القوافي  فلما قال قافيــــــــة هجاني

وبالطبع فإن الناس تلفظ (اشتد)، ولم أجد ذلك إلا في كتاب " الاشتقاق " لابن دريد (هذا إذا لم يكن ثمة خطأ لغوي)، والأصل الذي يعتمده اللغويون في جميع المصادر الجادة الأخرى هو (استد) أي أصبح سديدًا ومصيبًا.

وبالطبع فإن البيتين يذكّراننا بالمثلين الشعبيين: علمته السباحة أجا غرّقني....

قاعد بحضنه وبينتف بدقنه..

 

س – أرى أن (شفوق) ليت في اللغة، فما رأيك ؟

ج –

تقول إن (شفوق) ليست من اللغة، فما رأيك فيما أثبته المنجد - مثلاً- بأن الصفة هي شَفِق وشفيق وشفوق ؟

أرجو ألا نتعجل في الحكم، حتى ولو أن ما ذكرتََــه كان قد أورده العدناني في: معجم الأخطاء الشائعة "، وزهدي جار الله في " الكتابة الصحيحة "، فقد قرأت " شفوق " في مصادر قديمة.

....فالأناةَ الأناة قبل أن نبتّ، حتى لو كان أساتذة كبار هم شفعاؤنا !!


 

س –

 عزيزنا وأديبنا الدكتور فاروق مواسي حفظه الله ورعاه،

أسأل سيادتكم عن جمع كلمة رُفات ؟

        خالد مصطفى الغفاري

ج -

عزيزي خالد

تحية أولا، وشكرًا على الثقة،

رُفات هي بمعنى حُطام، وهي كل شيء تكسر أو بلي...

وكما أن الحُطام والحنان والنُُثار، والجمال لا تجمع فإننا لا نجمع الرفات. قال تعالى:

{أئذا كنا عظامًا ورفاتًا...}- سورة الإسراء 49، 89.

(لاحظ أن اللفظة عظام وردت على صيغة الجمع)

 

ولفظة (الرفات) هي مذكرة، ولكن الشاعرين شوقي وطوقان أخطأ كل منهما فيها،

فقال شوقي في رثاء سعد زغلول:

  يا رفاتًا مثل ريحان الضحى

     كللت عدن بها هام رباها

         (الصواب به....)

ويقول إبراهيم طوقان:

تلك رفات بليت                   تبعثها الذكرى

 


 

س -

 أخي الدكتور فاروق،

شكراً لك على الرد السريع. ما قصدت بسؤالي اختفاء الأفعال من الاستعمال، بل ذهب بي خيالي الاشتقاقي إلى الظن بأن (رُفات وفتات وحُطام) ربما كانت يوماً مصادر، ثم حُوَّل استعمالها "المصدري" في أفعال بذاتها للدلالة على اسم المفعول كما تفضلتَ وذكرتَ؟ وهذا ظن فقط...

           عبد الرحمن سليمان

ج -

تعقيب على كلمتك أخي د.عبد الرحمن:

يعيدنا هذا إلى النقاش أيهما أسبق الفعل أم المصدر، ولكل بيّناته..ولن نتناوله هنا.

هناك مصادر مطّردة لا تدونها المعاجم عامة، نحو ما دل على بقية فيأتي على فُـعالة، نحو: نُثارة، قُمامة، قُلامة، حثالة، عصارة، عسالة....

ويمكن حذف هاء التأنيث في بعضها.

ويطرد كذلك ما دل على داء فيجيء على وزان فُعال، وما دل على حرفة فيأتي على وزان فِعالة....

إذن هي مصدر حتى ولو وردت بمعنى المفعولية، فالمصدر يدل على حدث - كما نعلم- ........

والحدث لا بد إلا أن يكون فيه فاعلية ومفعولية...

ثم إن المصدر عادة لا يُجمع. قلت " عادة " لأن اللغة الحديثة جعلت المصدر حركيًا ومتنوعًا فقالوا: انتصارات واحتمالات وأنشطة....

            فاروق يحييكم

سؤالي الجديد: من قائل هذا البيت؟

 بلادي وإن جارت علي عزيزة   وأهلي وإن ضنوا علي كرام

 وإن كنت أشك بأنه كتب على هذه الصورة المتداولة على الألسن في الوطن العربي، مع العلم أنه ليس لأمير الشعراء أحمد شوقي أفيدونا...

           الغفاري

ج -

البيت هو للشاعر اللبناني (من أصول أردنية) خليل دموس (1888 - 1957)، وقد ولد في زحلة، وحبذا اطلاعنا على ديوان حليم (1919) وكتابه المثالث والمثاني (1926) وله كتاب رباعيات...

وهو القائل كذلك:

ما أحسن الدين والدنيا إذا اجتمعا  وأقبح الكفر والإفلاس في الناس

 

س –

من د.أحمد الليثي

 

كما قد تعلم كان هناك نقاش دائر يمكنك الاطلاع على تفاصيله حول معنى كلمة (ترجمان)، و هل المقصود بها المترجم الشفوي فقط ؟ أو تعني المترجم عموماً دون تحديد لكونه شفوي ؟ وقد أورد بعض الإخوان الأكارم بيتين من الشعر، وحديثاً لرسول الله لتأييد القول بأن (ترجمان) تشير لمن يقوم بالترجمة الشفوية.

وكنت أرى أن (ترجمان) لا يقتصر معناها اللغوي على المترجم الشفوي فقط، بل تطلق على من يقوم بالترجمة عموماً، والأمثلة التي أوردها الإخوان لا تعدو كونها أن (ترجمان) كلمة صحيحة في اللغة وتعني المترجم، فالمسألة هي تخير المتحدث للفظة، وكذا لضرورة القافية.

فما هو الفيصل من اللغة في هذا الموضوع؟

شكر الله لك

ج –

عزيزي الأغر

أما رأيي فقد أبنته سابقًا، وهو تبني الترجَُمان للمترجم الآلي

      المترجم لمن يقوم بالترجمة الكتابية أو غير الفورية

      المترجم الفوري- لمن يباشر الترجمة في الآن نفسه.

قلت (تبنّي) لأنني أعرف أن كل لفظة من الأُولَيين وردت بالمعنيين، فالأحاديث عن الرسول أوردت (ترجمان) في عدد من المواضع (انظر مثلا: صحيح البخاري، باب بدء الوحي، باب الجزية...)، وقد ذكرت اللفظة في أشعار العرب، ومن ذلك بيت المتنبي المشهور من قصيدة (الحدث الحمراء):

تجمع فيه كل لِـسن وأمة         فما تُفهم الحدّاثَ إلا التراجم ُ

 (لاحظ يا أستاذنا أن جمع ترجمان هو تراجم كما في لسان العرب).

غير أن (ترجمان) لا تأتي دائمًا بمعنانا هذا، فقد تكون بمعنى إفصاح فابن مسعود لُقب "ترجمان القرآن"، والسيوطي يقول في الإتقان....." وقد سميته ترجمان القرآن " (انظر: الإتقان ص446) ومن أقوال العرب إن "القلم واللسان كلاهما للقلب ترجمان".

وما جرى مع (ترجمان) هكذا وردت (مترجم) بدلالتين،، فيقول النووي مثلا في روضة الطالبيين ص 1231:

"فإن كان القاضي يحسن تلك اللغة فلا حاجة إلى مترجم...ويستحب أن يحضره أربعة ممن يحسنها ".

إذن، ليكن تبنٍّ أو اتفاق، فنأخذ المترجم الشائعة والذائعة لأكثرهم عملا، فإذا باشر تلقائيًا أضفنا لفظة (فوري).

أما (ترجمان) فقد جعلتها للمترجم الآلي، فلا أحتاج أن أقول (ترجمانة) إذا كانت من تترجم امرأة (ولم يكن فيما أعلم للعرب بها سابق عهد)، وأجعل الصيغة مختصة بالآلة، وهي توحي بذلك آليًا وصوتيًا، وهذا رأيي.

وبهذه المناسبة أقول ما أكرره في لجنة الترجمة عن العبرية إننا يجب أن نتبنى لفظًا مع إدراكنا للثغرة فيه، وذلك أفضل من ترك الحبل على الغارب، فيترجم كل على هواه، فتكون هناك ألفاظ عديدة ؛ الأمر الذي يجعل الأصل الدخيل هو أقوى، وقد ضربت لكم مثلا من ترجمة (بِـسيدِر) العبرية - التي قيل لي إنها شاعت حتى في عمان، فقد ظلت أقوى من (تمام)، (حسنًا)، " جيد "،..... فاختلاف الكلمات هنا نقمة.

 

س - أخي الدكتور فاروق سلمه الله،

 

أرى أن "مترجم/ترجمان" سامية قحة وعربية قحة، وأن اليونانية مأخوذة من العربية أو من السريانية.

وللاستئناس فإن أصلـهـا في بعـض الساميات: الأكاديـة: "تَرْجُمـانُ" (الواو فوق النون للرفع)، ومعنى الكلمة المصطلح عليه في الأكادية هو "المترجم الشفوي". العبرية: רגמן: تُرْجُمان (بضم التاء، وهو "المترجم التحريري" فيها). السريانية: تَرجُمونُو (الواو الأخيرة للتعريف).

وأذكر أيضاً أن الكلمة اليونانية:dragoymanos "مترجم" مأخوذة من العربية أو من السريانية على خلاف في ذلك. ومن اليونانية أخذت الكلمات الإيطالية: dragomano والفرنسية:dragoman/drogman والإنكليزية: dragoman.

الثابت في الأكادية أن "ترجمان" من ذوات الثلاثة، وأن جذرها هو /رجم/، وأن التاء زيادة. ويعني الجذر /رجم/ وفعله في الأكادية والأوغاريتية "نادى، صاحَ".

أما في العربية فمعناه فيها مختلف - كما نعلم. وكون الفعل ثلاثياً في الأكادية والأوغاريتية يجعلني أقدّر أن لكلمة "ترجمان" اشتقاقاً عجيباً في الساميات. وهناك شبه إجماع بين دارسي الساميات أن الأوغاريتيين كانوا عرباً لأن أبجديتهم، بعكس أبجديات الكنعانيين والآراميين والعبرانيين، تحتوي على كل الحروف الموجودة في العربية، ولأن مفردات لغتهم شديدة القرب من مفردات العربية.

وسؤالي بالتحديد هو:

هل مرَّ بك فيما اطلعتَ عليه من مراجع كثيرة معنى للجذر /رجم/ في العربية يمكن أن يقترب من معنى مجانسه الأكادي أو الأوغاريتي؟

هل من تخريج ممكن للجذر /رجم/ في العربية يفيد، ولو من بعيد، معنى "المناداة أو الترجمة"؟ فقد أعياني استقراء هذا الجذر وتخريجه على وجه مناسب.

مع الشكر المسبق لحضرتك الكريمة،

          عبد الرحمن السليمان.

 ج _

اللفظة (ترجمان) هي آرامية - كما تفضلت وأشرت، ومصدري هو: رفائيل اليسوعي: غرائب اللغة العربية، ط2، المطبعة الكاثوليكية، بيروت - 1959175)، وقد رسمها لنا بالحرف الآرامي الذي يتعذر علي طباعيًا أن أثبته لك.

ونحن نعرف أن اللغة الآرامية كانت اللغة العامة الرسمية في كل بلاد الشرق الأدنى القديم، وقد نابت مناب العبرية والكنعانية، بل إن الفرس جعلوا الآرامية لغتهم الدبلوماسية. فعندما خالط العرب السريان في الجاهلية وفي أوائل الإسلام أخذوا عنهم مئات الكلمات.... فلا حاجة إذن للبحث عن أصل رباعي كما فعلوا مع ( دحرج)، فجعلوها من (دحر) و (حرج)... وقس على ذلك، وكأني بك اليوم تود أن تبحث عن (رجم) وبقيت (ترج) فما ضرورة ذلك ؟

ومن الرباعي المأخوذ عن الآرامية: مرجل (قدر)، بشنق (بمعنى اللهجة العامية) بيدر، خاتم، خردل، دالية، رصيف، زبون، زورق، زنيم، شاطر، صرصر، صليب، عمود،.... وأنهي باسمي فلفظة (فاروق) اسم فاعل في السريانية من fraq بمعنى خلص وأنقذ، وقد قرأت قبل أكثر من ثلاثة عقود في مصدر قديم ليس بين يدي أن عمر (رض) لقبه السريان بالفاروق لأنه أنقذهم من ظلم الروم، فقلت ذلك للمستشرق كستر وهو باحث كبير، فأيدني أو على الأصح - أيد المصدر بمراجع أخرى. وفي بعض الكتب المسيحية دعي المسيح (الفاروق) لأنه المخلص الذي يفرق بين الأمور.

ولا أدري أي مصدر جدي (أعني من مصادر التراث) كتب أن الفاروق هو الذي يفرق بين الحق والباطل ؟؟

أخلص إلى القول إن الألفاظ دخلت العربية، ونحن بحاجة اليوم إلى تبني مصطلحات بعينها ؛ فقد ذكرت أكثر من مرة رأيي في أفضلية تبني لفظة مع وجود ثغرة فيها على أن تكون وفرة ألفاظ نخوض فيها ولا نضع إصبعنا على معناها، ولكن يبدو أن قول الله تعالى سيبقى فعالا:

(وكان الإنسان أكثر شيء جدلا) الكهف 54.

 

س - من باقر - أستراليا

أستاذنا الدكتور مواسي دام فضله،

يصر فريق من أساتذة الترجمة على وجوب ابتداء الجملة العربية التي تحتوي فعلا بالفعل، واللغة العربية لغة مرنة من حيث التركيبة الجملية، فيتقدم الخبر على المبتدأ، ويأتي بالمفعول به في أول الكلام (رغم تغير صفته الإعرابية)، إلى آخره من الأمثلة.

السؤال: فيما لو ابتدأنا الجملة بمبتدأ، ثم أتينا بالفعل يتبعه، هل يؤدي ذلك إلى خلل في تركيبة الجملة ثم في تغيير معناها، وهل تقديم الفاعل في أول الجملة بصفة المبتدأ له ضرورة توكيدية أو أية ضرورة أخرى؟ وأضرب المثل التالي:

كتب محمد واجبه المدرسي.

محمد كتب واجبه المدرسي.

 مع عظيم تقديري، ولا حرمنا الله من وجودكم

ج - عزيزي باقر،

ولك تحية

إن سؤالك يتـردد لدينـا أيضـًا عندما نترجم عن العبرية، فالأصل في الجملة العبرية –

كما اللغات الغربية أن تبدأ بجملة اسمية. أما جملتنا العربية المألوفة فتبدأ بالفعل، نحو: أتى أمر الله.... فإذا ابتدأنا بالاسم فثمة جملتان: أمر الله أتى (الجملة الاسمية + جملة أتى الفعلية - التي تؤلف هي وفاعلها المستتر جملة صغرى فعلية (تعرب خبرًا)، وبالطبع تكون الجملة هنا أقوى... واعتبروا ذلك في البلاغة قصرًا، والغرض منه التأكيد وبيان أهمية السابق.

أما في قولنا: "محمد جاء" فقد بدأ التركيز على الاسم، لأننا نريد أن نعرف عنه ماذا فعل، فالسامع يتركز على (محمد) الذي سينتبه لمجرد ذكر اسمه. فالجملة العادية: "جاء محمد" هي استرسالية، وما عليك حتى تمايز إلا أن تنظر الفرق بين "أبو علي المريض تُوفي"، "توفي أبو علي المريض"، فنقطة التركيز في الجملة الكبرى الأولى أوحت لنا بموته مرتين فتدرج الإخبار...

 أخلص إلى القول إن الأصل في الجملة العربية هو الجملة الفعلية، فإذا أردت القصر والتأكيد فلا بأس عليك بأن تبدأ الجملة بما تريد التأكيد عليه.

وقد نعود للبحث بصلة

 

* سؤال من أم طارق - ألمانيا:

أستاذي الدكتور فاروق مواسي المحترم،

أود أن أسأل لماذا نستعمل هنا (ورأيتها في أماكن أخرى أيضًا) "متصفحين المنتدى" وليس "متصفحي المنتدى"؟ ولي سؤال آخر حول تأنيث العدد سأرسله لك.

ج -

أحيــيك وأشكرك على الثقـــة، وأهلاً بك !

نحن نقول: الأمة صانعةٌ خيرًا، وكذلك الأمة صانعــةُ الخيرِ

وعلى غرارها: هم متصفحون المنتدى، وهم متصفحو المنتدي...

واسم الفاعل يعمل بشروط......وأما المعنى فقد جعلوا الصورة الأولى لمعنى الاستقبال، ولهذا لم يحكم القاضي على من قال: أنا سارقٌ المتاع َ، بينما لو قال: أنا سارقُ المتاعِ لأوجب عليه الحد...فالمعنى الأول لم يقع وإنما هو في النية....

من هنا فإن جملتك يجب أن تكون وافية، وأرجو أن أقرأ كيف وردت حتى أفحص مدى مطابقة الشروط لعملها.

وأما تأنيث العدد فقواعده معروفة لديك، فنقول (خمس دقائق) سواء سبق العدد أم تأخر عن المعدود، ولا يجوز التذكير إلا في العدد الترتيبي قبل المعدود، نحو: هذه خامس قصة أقرأها.

 

س - عبد القادر الغنامي - سويسرة

 

 لأستاذنا الجليل الدكتور فاروق مواسي أدام الله عطاءه،

يكثر استعمال العبارات التالية في اللغة العربية، وقد يكون المترجمون من أكثر الناس استخدامًا لها (على أساس أنها مترادفات) نظرا إلى أن مقابلها لا تكاد تخلو منه فقرة في اللغة الإنكليزية، وهي اللغة المترجم منها أساسا. فما الفرق بينها (إن صحت):

- كذلك/أيضا/كذا

- بخصوص/بشأن/فيما يخص/فيما يتعلق/فيما يتصل

- بالخصوص/خاصة/بخاصة/على وجه الخصوص/لا سيما

- عموما/بشكل عام/في الجملة/على الجملة...

مع خالص الشكر وفائق التقدير والاحترام

 

جـ -

يا أخي الغانم الغنامــي:

حياك الله وبارك فيك !

من التعابير ما اسُتحدث بإخراج جديد، وفي ذلك ثراء لغوي، فأنت لا تكاد تجد هذه المنطقية والسببية في الكتابات النثرية القديمة، نحو - فيما يتعلق، وذلك بشأن، وعلى الجملة....

في رأيي هي عربية سليمة، وتقوي أواصر الجمل، وهي بتنوعها تتحدد بالمعنى الأصل، وكيف كان في اللغة المنقول عنها......فإن التبس عليك استعمالان فأرجو أن تزودني بالأصل في الأجنبية، وعندها يمكن أن نوازن، ونقول: هذي أدق، ولماذا في رأيي....  ومرحبًا بأحبتــــي

وتعود تحيـــــة فاروقيـــــة

 

س-   من عبد القادر الغنامي

 

 

جزاكم الله خيرا أستاذي الجليل على ما تفضلتم به.. ولن أتوانى إن شاء الله في تزويدكم بالسياقات المختلفة. أرجو فقط ألا أثقل عليكم لأن عدد أسئلة الفرد على مقدار جهله... كما أرجو ألا تترددوا في تصويب ما ترونه خطأ في مشاركات (مداخلات؟) الداعي لكم - على الملأ، فإن ذلك لن يحرجني البتة. فقد تساءلت وأنا أكتب هذه المشاركة (المداخلة؟) عن مدى صحة الجمع "السياقات" (وغيره من الجموع من هذا النوع التي انتشرت في الآونة الأخيرة، مثل "حوارات" و"نجاحات" و"إخفاقات"... كما تساءلت عن العبارة "على مقدار" (بدلا من "بمقدار")...

تحية غانمية غنامية. وكيف لا أغنم وأنا في ضيافة أستاذي الكريم...


 

ج -

يا عزيزي: الجموع للمصادر أقرها مجمع اللغة العربية، وذلك إذا دلت على تنوع وتعدد، فنقول نجاحات الإنسان دليل ذكائه، فكل نجاح يختلف عن الآخر، ومثلها سياقات وانتصارات واحتفالات وارتباكات....وهي لغة معاصرة مألوفة في الأدب المعاصر.

أما سؤالك الثاني فيجوز كلا التعبيرين.....

وأحييك أيها العزيز صديقًا جديدًا.....

 

س -

جرى على ألسنة الناس استعمال "بشكل" و"بصورة" و"بطريقة" و"بصفة" و"على نحو"... بدلا من المفعول المطلق. فمتى يصح هذا الاستعمال ومتى لا يصح؟

ج -

أما هذه التعابير فقد أقرها مجمع اللغة العربية، وفي رأيي علينا أن نقبلها.....

ولكني شخصيًا لا أحب (كـ َ) في قولنا: وأنا كمعلم.... وأفضل عليها (باعتباري) معلمًا...، ذلك لأن الكاف للتشبيه، و (باعتباري) تقوم مقام الحال، أو من حيث كوني.....

واسلم للمحب بشكل لا يُضاهى أو بصورة الإعزاز.

 

س - أخي الحبيب الدكتور فاروق،

تحية !

يقال: الكتاب والشعراء ومن كان بحكمهما (فيثنون على اللفظ)،

أو: الكتاب والشعراء ومن كان بحكمهم (فيجمعون على المعنى).

وسؤالي لحضرتك: أي من القولين أصح؟ وأي منهما أجود إذا جاز الوجهان؟

         عبد الرحمن.

 

 

ج -

الأخ الكريم عبد الرحمن، ولك التحية مع بالغ الامتنان.....

توافقني أن كل لفظة هي جمع، ولذا فمن الطبيعي في لغتنا المعاصرة أن نقول (بحكمهم)....

جاء الأطباء والمهندسون وقرروا....(وليس: وقررا)، ولكن، يمكن أن نقول: والفئتان قررتا، وكلا الفريقين قررا....

أدرك سبب سؤالك، فالإنجليزية تجعل للفئتين (both).

ومع ذلك فالعربية " الكلاسية " استخدمت هذا في غير العاقل، فقد رُوي عن الأسود بن يعفُر (أعشى بني نهشل ت. 600 م):

           إن المنايا والحتوف كليهما

                                      في كل يوم ترقبان سوادي

         (الأغاني ج 13، ص 16)

وقد جاء في القرآن الكريم:

{أو لم ير الذين كفروا أن السموات والأرض كانتا رَتقـًا ففتقناهما....}جزء من الآية 30 من سورة الأنبياء. ولم أقع على مثل ذلك فيما يتعلق بالجموع العاقلة.

 تحيــــة فاروقيــــة

 


 

س -

موضوع الرسالة: خطأ شائع خير من صحيح مهجور

أو : لا يصح إلا الصحيح ؟

الأستاذ الجليل الدكتور فاروق مواسي زاده الله بسطة في العلم...

ما رأي حضرتكم في المقولة المشهورة "خطأ شائع خير من صحيح مهجور"؟ وكيف نوفق بينها -إن صحت- وبين المقولة التي لا تقل عنها شهرة "لا يصح إلا الصحيح"؟

مع خالص شكري ومودتي

ج -

 المقولة هي مسجوعة: الخطأ المشهور أفضل من الصحيح المهجور....

وبالطبع فهذا ليس صحيحًا تمامًا - ما دامت هناك المعاجم، واللغة المتعارف عليها في صحتها وسلامتها، وما دام هناك رجال حراس وأمناء على هذه اللغة ودراستها والرقي بها. فلا يصح إلا الصحيح المقبول وغير المتكلف....فنحن بحاجة إلى تجديد من ناحية، وإلى قبول لحركة اللغة.....

ومن جهة أخرى علينا أن نحافظ على ضوابط صرفية ونحوية وطريقة لفظ الكلمة، فلو اجتمعت الناس كلها على لفظ (عـُديّ) فإننا سنكرر على مسامعهم أن الخطأ المشهور يعني (عدو صغير) يظل خطأ، بينما الصحيح هو (عـَدي)، ومثلها لفظ الأسماء والأفعال والكلمات، فمعظم من أسمعهم يتحدثون - يلفظون (من ثُـمَّ)، والصواب بالفتح كما تعلم، ويلفظون (عُلاقة) وهي بالفتح....فثمة ضوابط، وحتى لو هُجرت أو جهلها الكثيرون فستظل هي الأصل....

حاولت اليوم أن أشتري (مِركَـمًا)، فلم يستوعب البائع ما أبغي، حتى قلت له (بطارية)، فقال:

ههـــه... احك عربي !!

فالمصطلحات الأجنبية دخلت، وما دام ليس هناك بديل لها فلتكن بيننا شائعة، فاللغة كالشجرة تتساقط منها أوراق وتنمو أوراق وتظل وارفة خضراء....

أرجو أن تدخل إلى رأيي اللغوي الذي طرحته قبل أيام في مؤتمر اللغة

العربية في القدس الشرقية  :

http://www.geocities.com/faruqmawasi/betlahim.htm

 وتحيــــة فاروقيــــة

 

 

  س – من رائد حبش - ترجمة تحريرية وتلفزيونية

 أسعد الله أوقاتكم،  

ما هو رأي اللغة في كلمة "معلوماتية" من حيث صحة بنيتها الصرفية.

وجزاكم الله خيرا!

ج -

أخي العزيز رائد، ولك سلام !

المعلوماتية واردة في اللغة الحديثة - كما تعلم - ولا بأس بها، بل هي تفصل بين مجرد النسبة إلى المعلومة الواحدة والنسبة إلى المعلومات، فكيف نترجم:informatics,  information science.  أما النسبة إلى الجمع فقد ورد في لغة العرب، فالقاعدة الأصل أن ننسب إلى المفرد، فــ(طلاب) ننسب إليها (طالبي)، ولكن لو فرضنا أن اسم شخص أو مجموعة محددة أو مدينة هي (طلاب) فعندها ننسب إلى اللفظة: طلابي، ومثلها أنصاري والمدائني والأنماري والتعاويذي.....

فـ(معلومات) هي المعتمدة في الخطاب، وهي التي نعالجها، ولذا نقول: معلوماتي...

ولما أن كان المصدر الصناعي هو إضافة التاء بعد ذلك: قابلي = قابلية، انتهازي + ـة = انتهازية.... معلوماتي + ــة = معلوماتية.

          وتحيــــة فاروقيــــة

س -  على ضوء إجابتك

الآن مجرد خاطرة:

علِم، فهِم، سمِع، عرف........... معلوماتية، مفهوماتية، مسموعاتية، معروفاتية؟!

م. رائد حبش - ترجمة تحريرية وتلفزيونية

ج -

أخي الكريم، سلام عليك....

لغتنـــا فيها قدرة عظيمة على الاشتقاق، ولكن هذا لا يعني أن نشتق ما لا حاجة لنا به، وما دامت لفظة أخرى تغني عنه..... واسلم للمحب...

وتحية فاروقيـــة

س –

الأستاذ الجليل الدكتور فاروق مواسي حفظه الله ورعاه،

فما رأي حضرتكم في المقابل العربي التالي لمصطلح Optimization:

أمـثَـلة (بفتح الثاء)، ونشتق منه أمثل، يؤمثل.

إن إيجاد مقابل واحد للمصطلح المذكور يكفينا عناء الشرح ويسهل التواصل. فهو يتضمن معاني مختلفة في اللغتين الانكليزية والفرنسية، ونضطر إلى تفكيكه في اللغة العربية لأداء المعنى المقصود. فهو يعني، فيما يعني، جعل الشيء أقرب ما يكون إلى الكمال أو الفعالية (كما جاء في المورد) أو البلوغ بالشيء مداه الأمثل أو الحل الأمثل أو الاستخدام الأمثل لشيء من الأشياء، مثل الموارد، أو ضبط (التكلفة مثلا بحيث تصبح أقرب ما تكون إلى التكلفة الواقعية) وغير ذلك من المعاني.

         مع خالص شكري وتقديري


 

ج -

بعد التحية

فأرى أن الترجمة (الأمثلة) تصلح أكثر للتعبير Idealization، وإذا صح لي ابتداع تعبير فهو التفاؤلية......ولا بأس في رأيي أن تكون الترجمة الأفألـة أو المفاءلة...ذلك لأن الثاني يعطي معنى الأفضلية، والأمثلية هي فيما نتفاءل به على مدى بعيد، وله نتيجة إيجابية.....

 

س

الأستاذ الجليل المحبوب الدكتور فاروق مواسي نفع الله به،

بارك الله فيكم وجزاكم خيرًا. وبعد،

فلما كانت أسئلتي لا تنقضي، كما وعدتكم، فما قول حضرتكم فيما يلي:

هل هناك فرق بين "عدم القدرة" و"العجز"؟ وما الأصح: "التصديق" (على معاهدة مثلا) أم "المصادقة" عليها؟

مع خالص شكري وتقديري ومودتي -

          عبد القادر

ج -

 أخي عبد القادر، ولك معزة، وسلام عليك...

أسعد أولاً بثقتك وبأسئلتك.....ويا حيا الله !

أما (التصديق) فهو الصواب، فالفعل (صدّق) يعني اعترف بصدق قوله، حقق، وفي التنزيل الكريم: " ولقد صدّق عليهم إبليس ظنه...."...

واستخدامنا اليوم - صدّق على الأمر أقرته مجامع اللغة، وهو في المجاز ليس بعيدًا عن المعنى الأول، فالشهادة هذه التي يقدمها فلان فيها اعتراف بصدق قوله، وفيها تحقيق لما هو مدون فيها.

أما (مصادقة) ففعلها (صادق)، أي اتخذه صديقًا، وكل استخدام لمصادقة بمعنى التصديق هو خطأ من أساسه.

أما عدم القدرة فلا يعني تمامًا العجز، كما أن عدم الكذب لا يعني بالضرورة الصدق، وعدم العلم لا يعني الجهل قطعًا، فالنسب حاصلة، والتفاوت قائم بينهما...ففي الإنجليزية

Incapability لا تساوي تمامًا معنى impotence, weakness or failure.

 

ملاحظة متابع:

تحيـــة، وبعد،

فإن أسئلة السائل وأجوبة الدكتور فاروق مواسي -نفعنا الله بعلمه- تذكرني بكتاب "المنقذ من الضلال" للإمام الغزالي. فقد كان الكتاب يرمي إلى إنقاذ الناس من "الضلال العقائدي". أما أجوبة الدكتور مواسي - حفظه الله - فتنقذ من "الضلال اللغوي"!

نعم، إن اعوجاج اللسان العربي وانتشار اللحن ليأتيان على بنيان الوطن العربي وثقافته ووحدته من القواعد... وهذا موضوع ذو شجون وذيول وليس هنا مقام التفصيل فيه...

وتحية إجلال وإكبار لعالمنا الجليل الدكتور فاروق مواسي جزاه الله عنا وعن اللغة العربية خير الجزاء !

ع.غ

·       س

الأستاذ الجليل الدكتور فاروق مواسي سلمه الله،

تساءل أحد الزملاء في أحد المنتديات عن مدى صحة "منذ نعومة أظفاره".

هذا عن الزميل، أما أنا فأتساءل عن الفرق، إن وجد، بين "طالما" و"ما دام" وبين "وفقا" و"طبقا" و"عملا بـ" و"بموجب" و"بمقتضى" وبين "بين" و"ما بين"....

مع خالص شكري وتقديري الدائم

·       ج

سلام عليكم وتحيات إليكم....وبعد

في كتاب الفرج بعد الشدة للقاضي التنوخي، ص 43:ورد التعبير:

 " منذ نعومة أظفاره " -، ولا يصح لنا أن نقول (أظافره)، فالمستعمل هو جمع القلة، وهكذا ورد التعبير في معرض الحديث عن زياد بن أبيه.....

" من دهاة العرب وأذكيائهم، عمل في خدمة الدولة، منذ نعومة أظفاره، فقد ولي قسمة الغنائم، بأجر درهمين في اليوم، وهو ابن أربع عشرة سنة " - معجم الأدباء (مادة زياد بن أبيه).

كما ورد لدى الأب لويس شيخو وهو محقق كبير، وذلك في كتاب تاريخ آداب اللغة العربية، ص 46:

" إبراهيم بك مرزوق: ويلحق بأدباء مصر أحد مشاهير كتبتها إبراهيم بك مرزوق. ولد سنة 1233هـ (1817م) وكان منذ نعومة أظفاره مغرى بالآداب كثير الحفظ من مختار الشعر.قيل إنه كان يحفظ منه عشرين ألف بيت، كما أنه أحرز جملة وافرة من منتخب المتون العلمية ومأثور الأخبار...... "

أما (طالما) فأغلب الكتاب يقعون في خطأ استعمالها، فهي تدل على معنى (كثيرًا ما)،  فنقول: طالما تعبت من الزكام. وطالما دفع أبوه المبالغ عنه....

 فاستعمال: سأحترمك طالما احترمت والديك، هو خاطئ، لأن الصحيح أن نقول: ما دمت تحترم والديك....فالاستمرارية تستلزم (ما دام).... والله في عون العبد ما دام العبد بعون أخيه، وطالما قال العلماء ذلك !

أما سائر التعابير فكلها صحيح، والسياق هو الذي يحدد استخدام الواحدة أفضل من الأخرى....

واسمح لي أن أحييك وأشكرك على كلماتك الرائقة الرائعة، فجزاك الله خيرًا !

 

·       س

الدكتور فاروق مواسى

السلام عليكم

أولا أحب أن أعبر عن خالص إعجابي بعلمكم الواسع وصفاء نفسكم المطمئنة.

لي سؤال أستاذنا الجليل:

يقال في العربية (مرر قرار) و(أصدر قرار)، فما الفرق بين التعبيرين (مرر) و(أصدر)، ويقال أيضًا (أبرم اتفاقية) و(عقد اتفاقية) فهل هناك فرق في المعنى ؟

ثم هل إذا قلنا إن (فلانا يجيد الطب) يعادل قولنا (فلان جيد في الطب) ؟

أحمد محمد أبوشهبة

·       ج

أخي الكريم أحمد، ولك تقدير كبير...

أرجو – أولاً - الحفاظ على اللغة التي نحرص جميعًا عليها، فنقول (أصدر قرارًا... ومرر قرارًا) كما نقول (هل هناك فرقٌ....)...وعذرًا بسبب هذا التقديم أولاً...

تتفق معي أن بعض هذه التعابير مستحدثة، وهي ترجمة عن لغات أجنبية، وخاصة الإنجليزية والفرنسية..فـ (مرر) في المعاجم تعني: دحا الشيء وجعله مبسوطًا على وجه الأرض، وكذلك جعله مرًا، ولكن المولدين أضافوا جعله يمر(to pass)، وهي - حسب فهمي للغة القانون - مرحلة تسبق الإصدار، وكأن الإصدار يحتاج إلى إقرار نهائي، فالمعاجم تقول إن: أصدر الفتوى أنفذها وأذاعها...

أما (أبرم الأمر) في المعاجم فهي أحكمه، وقد أقرها مجمع اللغة العربية بمعنى أيد الحكم.

أما (عقد) فقد وردت في النصوص القديمة بكثرة، نحو عقد البيع، وعقد اليمين، وعقد العهد، وهي المستخدمة اليوم: عقد اتفاقية، وهي التي أفضلها...اللهم إلا إذا أردنا لغة المجاز، فكأننا بعد العقد نبرمها - كما نبرم الثوب إذا فتلنا غزله طاقين وأحكمناه.....

ويبقى السؤال عن استخدام المفرد أو الجملة الفعلية: فلان جيد....فلان يجيد...

اللغة تجيز الحالتين، ويبقى الخيار لك، وكأني بالجملة الفعلية فيها حركة أكثر وزمن، والمفرد فيه ثبوت أكثر، فقولك: " منتدانا هذا رائق لنا " صحيح، وكذلك القول: " منتدانا هذا يروق لنا ".

واسلم للمحب أو لمن يحب...


 

* س

الدكتور الكريم فاروق مواسي

لن أطيل عليك المقال، ولكن سؤالي بسيط، وهو وليد نقاش بدا لي وكأنه أمر فرض لا مناص منه، فقلت ليس لي بعد الله سواك.

أيهما أصح، أن نقول: نذهب بصحبة/ برفقة فلان أم نذهب صحبة/ رفقة فلان؟

وهل تختلف الصياغة باختلاف الفعل، فمثلاً نقول: نجوب بصحبة/ برفقة فلان أم نجوب صحبة/ رفقة فلان؟

وجزاكم الله خيراً

         رواء الأغا

·       ج

تحيات طيبات، وبعد

فيا عزيزتي رواء فإن الرفقة والصحبة هما في نفس المعنى، ولم أجد في كتب (الفروق للعسكري وسواه ) من ميز بينهما، فقولي: أنا بصحبة أخي، وأنا برفقة أخي، فأخي هو صاحب لي في سفري ورفيق.....ولكني سأفيدك من جهة أخرى.... فالنسبة إلى الصحابة

(الخاصة بمن صحبوا الرسول عليه السلام أو رافقوه) صَحابي، أما النسبة إلى الأصحاب - اللفظة التي هي جمع صاحب فهي الصاحبي، لأننا ننسب للمفرد، وهناك كتاب الصاحبي لابن فارس، وهو كتاب ممتاز.

       وشكرًا على ثقتك الغالية....

 


 

* س -

يعجبني فيك أنك لا تترك عوجًا لغويًا في الاستفسارات والمداخلات إلا وتصوبه، وفي هذا فائدة كبيرة للجميع _بارك الله فيك.

ولكن يبدو أنك سهوت عن تصويب عوج في صلب سؤال الأستاذ صابر، وقد سألك قائلا: "هل شرحتم لي الجملة..."، وكان عليه أن يبدأ سؤاله على هذا النحو:

 "هلاّ شرحتم لي الجملة...؟" أليس كذلك يا دكتور فاروق؟

فهـلاّ شرحتم للأستاذ صابر الفرق بين "هل" و"هلاّ" فنستفيد جميعا؟

                                                          دمتم ذخرًا للعربية ومحبّيها.

                                                                     تحيّة مكية

                                                                عبد المجيد العبيدي

 * ج -

الأستاذ المُـجيد عبد المجيد....

أما الخطأ فقد وقع فيه، وسهوت عنه أنا، وجل من لا يسهو....

أظنه أراد (ألا) للعرض (بدون شدة على اللام) فقط، لا التي للتحضيض أو التحفيز، وكأنني أتقاعس عن إجابة طلبه –     ( مع أن " ألا " واردة في المعنيين = الرفق والتحضيض.)

وأرجو في التوضيح هذا أن أمايز بين (هلا)، و (هل) كما تحب:

هلا: إداة تحضيض، وهي مركبة من (هل) + (لا)، فإن دخلت الماضي كانت للّوم على ترك الفعل، نحو: هلاّ سافرت!، وإن دخلت المضارع كانت للحث على الفعل: هلا تزور المريض !

أما (هل) فهي حرف استفهام، نحو: هل زارك الضيف ؟ ونلاحظ أن الإجابة هي (نعم) أو  (لا) - إلا إذا كان الاستفهام بلاغيًا.

كما نلاحظ أن هناك من يخطئ في الكتابة، ويكتب أو يقول: هل لم يسافر؟ (والصواب: ألم يسافر؟) لأن (هل) تختص بالنسبة الإيجابية... لها شروط أخرى..

ولن أعارض استعمال (نستفيــد) كما يعارضها المتزمتون، بحجة أن الصواب هو (نُفيد) التي تعني أن أتقبل الفائدة كما تعني أن أقدمها.....وهم على حق من حيث الدقة، ولكنهم ليسوا على حق - في نظري من حيث إنكارهم  أن اللغة فيها قدرة على الاشتقاق.

 وما أحوجنا لمثل (استفاد) التي تبدأ بزوائد تدل على الطلب، خاصة ونحن نرى ضرورة التمييز بين الأخذ والعطاء.

وتحيـــة فاروقية

 

* س:

أخي الحبيب فاروق،

ولك تحية رحمانية خالصة.

لدي سؤال يتعلق بـ "الجمل التي لها محل من الإعراب" وتلك التي "ليس لها حظ من الإعراب".

هل تعتقد أن لذلك فائدة في تعليم العربية اليوم؟

شكر الله لك،

    عبد الرحمن.

 

 ج:

أخي الرائع عبد الرحمن.....محبتي قبل تحيتي، وبعدهما:

فالجمل التي لها محل من الإعراب ضرورية جدًا، فكيف نحدد الخبر في جملة نحو: الكتاب يفيد، وخبر كان في نحو: كان الفلاح يزرع أرضه، والحال في نحو: رأيته يفكر.....إلخ

فالجملة التي لها محل من الإعراب نعرفها إذا استبدلناها بمفرد (مفيدًا في الجملة الأولى، زارعًا - في الجملة الثانية، مفكرًا في الجملة الثالثة....وكيف نحدد وظيفة الجملة الاسمية في نحو: إن الصلاة فائدتها عظيمة..؟؟

 

أما الجمل التي ليس لها محل من الإعراب فتظهر أهميتها في بعض التراكيب والجمل، ففي قولنا: والله من يعمل ليفوزن، فإن جملة (ليفوزن) لا محل لها في الإعراب، لأنها جملة جواب القسم أغنت عن جواب الشرط......(نحن نعلم أن جملة جواب الشرط الجازم تكون في محل جزم)....وثمة مواضع علينا أن نحدد صورة الجملة إعرابيًا لأنها تستلزم الأداة المعينة، نحو:

والله من يعمل لفوزه واقع (ارتبط الجواب باللام).

من بعمل ورب البيت ففوزه....(ارتبط الجواب بالفاء)....

صحيح أن هناك تكلفًا كثيرًا، ويمكن أن نختصر من الخلافات بشأن إعراب الجمل، وخاصة ما ليس له علاقة في الناحية الوظيفية مباشرة، وفي شكل الكلمات...كما يمكن أن نتنازل عن تحديد الجملة الابتدائية بأنه ليس لها محل من الإعراب....

 

وتحيـــة فاروقيــــة


 

* س -

هل اقتنعت بتذكير لفظة (الضلع) ؟

تحية مجيدية "مُجيدة" من مكة المكرمة

        عبد المجيد العبيدي

* ج -

هي كما أعلم مؤنثة، ودليلي في ذلك كتاب " خلق الإنسان " لثابت بن أبي ثابت (من علماء القرن الثالث الهجري)....

أما الصديق الذي ناقشني حينها بحدة، و ذهب إلى ورود التذكير في الحديث " خلقت المرأة من ضلع أعوج "، فهو خاطئ، لأن مسند أحمد يورد: المرأة ضلع فإن تذهب تقوّمها تكسرها.... 5 /151)

وتحيـــة فاروقيــــة

س –

صديقي الدكتور فاروق إن "الصديق الذي ناقشك حينها بحدّة" هو محسوبك المغاربي، والحدّة معروفة عنّا نحن أهل المغرب العربي، ولكن لا نقصد بها تحدّي الغير، وإنما الدفاع عن آرائنا إن كنا نؤمن بصوابها.

ومحسوبك لا يزال على رأيه. فالأشهر في الضلع التأنيث، ولكنها تذكر كذلك، وهذا ما قلته لك حينها، ولكنك لم تقبل به رغم التأكيد على تأنيثها وتذكيرها في عدّة قواميس عيّبتَها، وفي عدّة روايات لحديث "الضلع" خطّأتها. وربما هذا ما جعل نقاشي معك بعدها يتّسم بشيء من "الحدّة" الطبيعية. ولعلـّي أسجل هدفًا جميلا في مرماك هذه المرّة، فاستعدّ للحراسة !

 

تحدثت اليوم مع أساتذة أجلاّء من أمثال صديقي الدكتور فاروق على إثر الندوة العلمية التي نظمتها جامعة أم القرى تكريمًا للأستاذ الدكتور تمام حسان بمناسبة حصوله على جائزة الملك فيصل العالمية في اللغة العربية والأدب لعام 1426هــ ، فقال كلهم بتأنيثها وتذكيرها، ولكنهم قالوا كذلك إن الأشهر فيها التأنيث. ووافاني مشكورًا الشاعر والأستاذ الدكتور عياد الثبيتي، أستاذ النحو العربي بالجامعة عندنا، بمرجع يعجبك يثبت تأنيثها وتذكيرها أو الوجهين معا:

جاء في "تاج العروس" (طبعة الكويت 21/418) ما نصه:"مؤنثة كما هو مشهور، وقيل مذكرة، وقيل بالوجهين وهو مختار ابن مالك وغيره".

تحية مجيدية

ج –

الحبيب الدكتور عبد المجيد، سلام عليك.....

ما ورد في تاج العروس كنت قد ذكرته آنفًا في حوارنا الأول، ومع ذلك، فأنا أعرف أن النادر لا نعمد إليه، وقد أشرت في حينه أن هناك قواعد متفقًا عليها، وإلا فنحن سنجيز (أبا) في الحالات الإعرابية الثلاث، وكذلك إبقاء الألف في المثنى، وثمة شواهد في ذلك، أذكر منها:

إن أباها وأبا أباها

   قد جاوزا في الأمر غايتاها

وتلاحظ في تاج العروس أن الأمثلة التي ساقها جميعها بما فيها الحديث (خلقت المرأة....) كلها وردت بصيغة التأنيث.....

وأذكر أن حدة النقاش دارت حول اعتماد المصادر غير الرئيسة مما يكتبه كتاب اليوم (مع احترامي لمعرفة كل جـِهـْبـِذ فيهم، فأخذت تذود عنهم بكل ما أوتيت من حماسة....

وأخيرًا فأنا أنتظر منك كل بحث مما يغنينا ويعلمنا....ولك شكري الجزيل....

وتحيـــة فاروقية

...........

 

الإخوة الأعزّاء

يعتمد الزبيدي على ابن مالك في جواز التذكير، لكنّ الذهبي أورد الأبيات التالية في ترجمة ابن مالك في "تاريخ الإسلام":

أنشدنا أبو عبد عبد الله بن أبي الفتح، قال: أنشدنا العلاّمة جمال الدين ابن مالك لنفسه في تذكير الأعضاء وتأنيثها:

يمـيـن شِـمال كف قلب وخـنـصـر

 

سـه بِنْصـر سِـنّ رَحـمٌ ضِلـَع كَـبِـــد

كرش عين الأذن القَتْب فخـذ قـدم

 

ورِك كتف عَقب ساق الرجل ثم يـد

لســان ذراع عــاتــق عـنــق قَـفــا

 

 كـراع وضِـرْس ثـم إبهــام الـعَـضُــد

ونفس وروح فـِرْسن ذفـرى أصبــع

 

مِعَـا بطـن إبـط عَجُـز الدبـر لا تــزد

ففي يـد الـتأنيث حتماً ومـا تـلـت

 

   فوجهان فيما قـد تلاهـا فـلا تـحِــد

ويتّضح في هذه الأبيات أن الضلع مؤنّثة ولا تذكّر وفقاً لابن مالك أيضاً إذ أشار صراحة إلى أنّ يد وما سبقها مؤنّثة. أما ما يجوز فيه الاثنان فهو ما بعد يد. وذلك يسقط سند الزبيدي ومن تلاه، مثل المتن والوسيط، بأن ابن مالك أجازها.

 

س -

أرى أن كلمة "ضلع" إن كان المقصود بها واحدة من عظام الصدر فهي أولى بالتأنيث.

وإن كانت تفيد معاني أخرى فيكون جنسها حسب معناها المقصود، نقول:

للمثلث ثلاثة أضلاع. وضلعا المستطيل المتقابلان متوازيان ومتساويان في الطول.

(فتكون "ضلع" هنا مذكرة). والله أعلم..

شكرا لإتاحة الفرصة للتعليق.

           م. رائد حبش

ج -

 أخي رائد حياك الله !

بدأت في حديثك عن أنواع (الضلع)، وكأن ذلك وارد في المعاجم وكتب اللغة....؟؟

ومع ذلك فإن الضلع الهندسي في رأيي يُفضل تذكيره، وذلك للتمييز بينه وبين ضلع الجسم، ولا بأس - في رأيي - بقبول ما شاع على ألسنة الناس في هذا الباب متعللين برأي من أجاز ولو على قلة، وذلك بقصد التمييز، وحبذا أن يعود أحد اختصاصيي الهندسة إلى بدايات استخدام (الضلع) وكيف كان الاستخدام لغة ومعنى.

أما قصد التمييز فأعني به مثلاً قبول لفظة (التــقـيـيـم)، والأصل أن نقول (التقويم)، وأنا أحبذ قبول الأولى لمعنى إعطاء القيمة، بينما الثانية لمعنى التصويب....

وتحيـــة فاروقيــــة

تتمة القول:

ما جاء في "تاج العروس" (طبعة الكويت 21/418) عن الضلع أنها:

" مؤنثة كما هو مشهور.... وقيل مذكرة...وقيل بالوجهين وهو مختار ابن مالك وغيره".

في رأيي - هناك ما يبـرر الـقـسم الأول مـن مقولتـه، فهو يقول لنا "كما هو مشهور"،

وهذا ما يهمنا، أما قوله: "وقيل بالوجهين" فلم يوضحه، مع أنه عادة يذكر ما ورد لدى هذا العالم أو ذاك....

ويبقى القسم الأخير، وأظن أن أبيات الشعر التي أوردتها عن الذهبي واضحة ومحددة (بكسر الدال الأولى أو فتحها).....وهي تتناقض مع مقولة الزبيدي.

ويبقى لنا أن نستوضح إن كانت لابن مالك كتب أخرى ورد فيها ذلك، وما معنى (مختار...) هنا، فهل، ومن يدخل ضمن (غيره).....

أما لسان العرب لابن منظور سابقه: فقد حدد في أول المادة أنها مؤنثة، ولم يضف شيئًا....، مع أنه عادة ما يسترسل، فيذكر تفصيلات لغوية، كما أن كتب " خلق الإنسان " تؤكد تأنيث الضلع، ولا تشير إلى جواز التأنيث....

من هنا...ففي رأيي ضرورة فحص معنى جملة الزبيدي، فهو عالم علامة لا يطلق الكلام على عواهنه....وستظل المسألة في ذهني لتفكيكها...

 

* س -

إليك بعض الأسئلة:

هل نقول: طبيعي أم طبعي؟

خطأ مطبعي أم خطأ طباعي (عند الكتابة باستخدام الحاسوب)؟

أبو نُوَاس أم أبو نَوَّاس أم أبو نُؤاس؟

                                                                         شكر الله لك

                                                                            تلميذكم

                                                                        / أحمد الليثي

 * ج -

سلام عليك، ومحبتي إليك....

هل نقول: طبيعي أم طبعي؟

نقول: من الطبيعي، وقاعدة النسبة إلى (فَعيلة، و فُـعَـيلة) فيها ما نتجاوز عنه، ولها شروط، ويمكن التوسع من خلال المصادر، فالأصل هو أن ننسب إلى فعيلة: فَعَلي، وأن ننسب إلى فُعَيلة: فُعَـلي، ولكن من الشاذ الذي ذكره العلماء: من الطبيعة: الطَّبيعي، ومن السليقة: السليقي، ومن رُدينة: الرُّدَيني.

أبو نُوَاس أم أبو نَوَّاس أم أبو نــؤاس ؟

بالطبع: أبو نُــوَاس بدون تشديد الواو، والفعل من (ناس) بمعنى تحرك،

وقد لاحظت خطأ شائعًا لدى صديق باحث أجله، وهو كتابته (أبو نُؤاس) بدل (أبو نُـواس) – بدون تشديد الواو – بالطبع -.

وأحب أن أذكرّه أن الحسن بن هانئ الحكمي الشاعر كنيته هي أبو نُواس - (بدون همز على الواو).

وذو نُواس، ونواس بالضم من النَّوْس وهو تذبذب الشيء وشدة حركته، وسمي بذلك لضفيرتين كانتا تنوسان على عاتقه، وكان غلامًا حسنًا من أبناء الملوك....وذو نواس هو صاحب الأخدود، وكان يهوديًا....(انظر: خزانة الأدب، ج 2 ص 290 " ومن الأذواء الأوائل: أبرهة ذو المنار).

أما صاحبنا الحسن بن هانئ فقد كان مع خلف الأحمر الذي كان له ولاء باليمن، وكان من أميل الناس إلى شاعرنا أبي نواس، فقال له: أنت من أشراف اليمن، فتكنَّ بأسماء الذوين (وهم الملوك الذين تبتدئ أسماؤهم: ذو) ! ثم أحصى أسماءهم، فقال: ذو جدن، وذو يزن وذو نُواس، فاختار الحسن الثالث وكني به، فغلبت هذه الكنية على كنيته الأولى (وهي: أبو علي)....

إذن ،  سمي به أولاً ذو نُـوَاس الملك الحميَري لذؤابة كانت تنوس على على ظهره....أما شاعرنا الحسن بن هانئ (ت. 199 هـ) فقد جعلته بعض الكتب في طباعتها بهمز على الواو (ذو نؤاس)، ولم أجد لذلك تبريرًا مقنعًا، وأرجح أن يكون الخطأ طباعيًا أولاً ، ثم اشتهر ذلك ،  ولا  أرى علاقة له بتسهيل الهمزة أو تهميز العلة.

·       خطأ مطبعي أم خطأ طباعي (عند الكتابة باستخدام الحاسوب)؟

الصواب في رأيي: طباعي، وهو الأصل الذي يقع في عملية الطباعة وقبلها....

أما المطبعي، فهو منسوب إلى المطبعة فقط....وأترك الخيار لك، وأظنك تقصد الطباعي...  ومثلها: الفصل الدراسي وليس المدرسي...

 

س -

الأستاذ فاروق مواسي نفعنا الله بعلمه،

تحية وسلاما يليقان بمقامكم، وبعد

فقد ورد الاستثناء كثيرا في القرآن الكريم كما تعلمون أستاذي الفاضل واستشكل علي ما يأتي بعد أداة الاستثناء "إلا" في مثل الآيتين الكريمتين التاليتين:

(فشربوا منه إلا قليلاً منهم) – "البقرة، 249"

(ما فعلوه إلا قليلٌ منهم) - "النساء، 66 "

فلماذا نصب ما بعد إلا في الآية الأولى وضم في الثانية ؟ وما إعراب كل منهما؟ وما أدلة القائلين بالنصب دائما والقائلين بجواز النصب والرفع؟ وما رأيكم شخصيًا في هذا الخلاف؟ وهل هناك من يقول بالرفع دائما؟

مع خالص شكري وتقديري ومعذرة إن أثقلت عليكم.

عمر

الحبيب الأستاذ...حياك الله وحباك بما تحب.....وبعد،

ففي قوله تعالى: (فشربوا منه إلا قليلاً منهم) - البقرة، 249 - تكون (قليلاً) مستثنى منصوبًا ؛ فالمستثنى منه موجود (واو الجماعة = الفاعل) والكلام مثبت (أي غير وارد بصيغة النفي أو الاستفهام).

أما جزء الآية:

(ما فعلوه إلا قليلٌ منهم) (النساء، 66)

فالمستثنى منه موجود (واو الجماعة) ولكن الكلام لم يرد مثبتًا، فقد سبقه نفي.....

وفي مثل هذه الحالة يكون لك أن تعرب قليلٌ = بدل مرفوع (من الفاعل الذي هو الواو، وهنا نعرب (إلا) أداة حصر أو أداة استثناء ملغاة.

ويحق لك أن تبقيه منصوبًا (أي مستثنى منصوب) كالآية السابقة....

ومرة أخرى: نقول -

جاء الضيوف إلا سعيدًا (المستثنى منه موجود في الجملة=الضيوف، والكلام مثبت، فوجب نصب المستثنى (سعيدًا).

ما جاء الضيوفُ إلا سعيدٌ

ما جاء الضيوف إلا سعيدًا

الجملتان صحيحتان، لأن المستثنى منه موجود والكلام غير مثبت، فالإعرابان الجائزان:

1 - مستثنى منصوب (كجملة الإثبات)

2 - بدل (مرفوع أو منصوب أو مجرور حسب حالة إعراب المبدل منه)

 

 

 

س –

الدكتور فاروق حفظه الله

يقول ابن المقفع: "... إن مجاور رجال السوء والمصاحبهم كراكب البحر إن هو سلم من الغرق لم يسلم من الخوف."

فما تعليل "المصاحبهم"؟

ويقول كذلك: "... وأوعز إلى الصناع بالتشمير والانكماش.... "

والانكماش أي الإسراع فما تعليل هذا المعنى، وخاصة أن المعنى المعروف للانكماش متعلق بصغر الحجم كما في قولنا: كمش الثوب وانكمش؟

د. أحمد

ج –

أخي الدكتور الحبيب أحمد:

تسأل عن (الـ) في اللفظة (المصاحبهم)،وجوابي كما أرى - هو أن (الـ) هي اسم موصول والأسماء الموصولة تذكر (ال) الموصولة بينها، وثمة شواهد كثيرة لها في اللغة.

وهي تكون للعاقل وغيره، وتتصل بالصفة الصريحة أي باسم الفاعل واسم المفعول، فيكون ما اتصل بها مع مرفوعه هو الصلة، ولا تعرب وحدها، بل تعرب هي وما اتصل بها كلاّ....

 

أما الانكماش.... فهو هنا السرعة، وقد ورد في لسان العرب أن الكمش هو الرجل السريع، وفي كتاب عبد الملك إلى الحجاج:

 " فاخرج إليهما كميش الإزار أي مشمّرًا جادًا " ، فأكمش في السير أسرع. ويقول الأصمعي: انكمش في أمره وانشمر وجد بمعنى واحد...

ومما ورد في شعر دريد بن الصمة:

     كميش الإزار خارج نصف ساقه

بعيد من السوءات طلاع أنجـد

ثم هناك مادة أخرى لمعاني (كمش) تتعلق بصغر الحجم، وهي الشائعة الذائعة اليوم، ولا نستعمل الأولى في لغتنا المعاصرة.....

ثم يا صديقي والأهم الأهم:

عدت إلى عبد الله بن المقفع في كليلة ودمنة ص 3، فوجدت الجملة بدون لام التعريف وهي:

" ولقد كنت أسمع أن فيلسوفاً كتب لتلميذه يقول: إن مجاور رجال السوء ومصاحبهم كراكب البحر: إن سلم من الغرق لم يسلم من المخاوف. فإذا هو أورد نفسه موارد المهلكات ومصادر المخوفات، عد من الحمير التي لا نفس لها. "

فهل لك أن تذكر لي أية طبعة وجدت (المصاحبهم) ؟

 

س -

من يحي متانـــي قلنسوة

عندي سؤال لـ د. مواسي:

بالنسبة لكلمة (أقلاء) الموجودة في المنجد، هل هي موجودة في نصوص عربية قديمة؟

أعتقد أنها مثل (أطباء)، لكنها صفة. هي لا تنسجم مع سماعي اللغوي للأدب العربي القديم ولم تمر عني كما أذكر. هلا أعطيتنا مثالا واحدا لها؟! وشكرًا لك ولكل من يجد ذلك لي ولنا!

 آسف  على الخروج من الموضوع وكوني استنفذت طاقتي المتواضعة مهنيا.......

ج -

من فاروق مواسي تحيتي أولاً

وشكرًا لأنك تدعوني إلى التنقيب والتمحــيص....

وأرجو قبل أن أبدأ الرحلة مع (الأقلاء) وصحتها أن تصوّب (استنــفـذت) وتجعلها بالدال، استـــنـفــدت)، فهذه هي التي تقصد.....

وما عندكم (ينفد) وما عند الله باق...

أما (الأقلاء) فهي جمع تكســير للفظة (قليل) مثل شديد، ذليل، عزيز، طبيب (لاحظ الحرف الثاني والرابع فيها كلها)..

سأعود لأقدم لك اقتباسات من مراجع هامة:

ورد في الكشاف للزمخشري (ص 1009) ما يلي:

ولا يصح أن ينتصب عن "أخذوا" لأن ما بعد كلمة الشرط لا يعمل فيما قبلها. وقيل: في "قليلاً" وهو منصوب على الحال أيضاً. ومعناه: لا يجاورونك إلا أقلاء أذلاء ملعونين.

وفي تفسير القرطبي (2796) ورد ما يلي:

"فكان الأمر كما قال تبارك وتعالى؛ لأنهم لم يكونوا إلا أقلاء. فهذا أحد جوابي الفراء، وهو الأولى عنده، أي لا يجاورونك إلا في حال قلتهم."

وفي معجم المخصص لابن سيده (ص14) " ورواه بعضهم الأقلاء أي البقايا وهو تصحيف ألُف السَّلَى منقلبة عن ياء ويقوّيه ما حكاه أبو عبيد..... "

رد وتعليق من السائل:

أما بعد، فإنني أشكرك على اهتمامك اللغوي لإصلاح "استنفذ" ب"استنفد"- وهذا خطأ شائع

اليوم. كذلك كان علي (وليس لي) خطأ مطبعي في مداخلة سابقة هو: (أقول: "أن") والصحيح "إن"، بعد القول وما اشتق منه. كما أشكرك على توضيح (أقلاء) التي لم أعرف بوجودها مثل الكثير الكثير من لغتنا الغنية.

 

س -

السلام عليكم،

أتمنى على الدكتور فاروق الحبيب أن يتحدث لنا عن الأفعال الناقصة وكيف أنها تكون أفعالا عادية في بعض المواضع. مثل: أصبحنا وأصبح الملك لله.

بالمناسبة، ابني الأكبر اسمه عمر تليه الأميرة رؤى ثم عبد الرحمن، وأنا من قرية تفترش بيارات برتقال يافا (بيت دجن).

وعليه فالدكتور فاروق والأستاذ عمر والدكتور عبد الرحمن من المقربين (إن سمحوا ).

م. رائد حبش - ترجمة تحريرية وتلفزيونية (اللغة الثانية: إنجليزي).

ج –

الحبيب رائد سلمت أنت وأبناؤك....

فإنك لا شك تعرف سبب تسمية اسم كان وأخواتها (أفعال ناقصة)،

لأنه لا يتم بها الكلام إلا باسمها المرفوع وبخبرها المنصوب، ويقال أيضًا لأنها تنقص الحدثية.

أما الأفعال التامة منها فيأتي بعدها أو معها فاعل، ولأسق نماذج مبثوثة في كتب النحو:

جميع الأفعال قد تكون تامة (تكتفي بفاعلها) عدا: ما فتئ، ليس، ما زال (التي مضارعها...يزال)، فهذه الأفعال الثلاثة تأتي ناقصة ولا تأتي تامة....

ففي كان التامة يكون المعنى = حصل، تـمَّ، نحو: ما شاء الله كان ! ليكن نور ٌ !

أمسى وأصبح إذا دلت على معنى دخل في الصباح /المساء، نحو قوله تعالى:

فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون " فالواو في كل منهما فاعل.ومثلها (أضحى) = دخل في الضحى زمنيًا: فلما أضحينا صلينا صلاة الضحى...

ظل إذا كانت بمعنى استمر: في جمعيتنا ظل هذا النشاط.

صار بمعنى انتقل: ظل الغني يخسر حتى صار إلى كوخ.

انفك = انفصل: انفكت العقدة ، وإذا لم نفكها نقول: ما انفكت العقدة، فالعقدة فاعل.

برح بمعنى ذهب، نحو: برحنا (أو ما برحنا) هذا الموقع.

دام بمعنى بقي: ما دام أحد في الأرض.ولن يدوم....

بات بمعنى نام، نحو بات أبوك في الفندق.

 

س -

ما الأصح:  (33 ) دولة طرفاً أم ( 33 ) دولة أطرافا في معاهدة...؟

مع خالص شكري ومودتي

وتحية غانمة دائما

ج -

صديقي: كل جمع غير عاقل يحق لك اعتباره مفردًا مؤنثًا، كما يحق لك اعتباره جمعًا، فنقول: الأشجار مورقة، والأشجار مورقات، والدول عظيمة والدول عظيمات، وهي طرف وأطراف سيان.... لكني أرجوك أن تكتب الأعداد: ثلاث وثلاثون دولة (بدل 33)......

     واسلم لنا بتحيات طيبة أو طيبات.....

 

س -

هل يصح القول:

موروث شعبي

إرث شعبي

ميراث شعبي

وما الفرق بينها؟

صابر

ج -

أخي صابر:

تحية فاروقية، وبعدها،

فالفعل (ورث) مصدره وِرث، وراثة، إراثة، وَرث، إرث ويعني صار إليه بعد موت..

الفعل (أورث) مصدره إيراث وميراث ويعني أعقب...

ولو أضفنا التراث واسم المفعول (الموروث وهو بمعنى المصدر) لكان لنا اختيار واسع...

وإذا كانت قديمًا كتب للفروق (ككتاب أبي هلال العسكري) فإننا لا نكاد نجد مثل هذه الكتاب للفروق اللغوية في الاصطلاحات المعاصرة (منها: كتاب فرائد اللغة في الفروق للأب لامنس)....

* * * *

أما أنا فأستخدم اليوم التراث لما هو حضاري وثقافي....

والموروث لما نرثه من السلف الصالح عامة...

والميراث للتركة الكبيرة وأقل منها - في استعمالي الشخصي - الإرث.

ولا أستعمل الوَرث ولا الإراثة....

أما الوِرث فأستعملها في الحياة اليومية وفي لغة الحديث بمعنى الورثة (وهذه كلمة جديدة).

وأفيدك أن لفظة (الوريث)  مستحدثة ، ولم أجد لها شواهد قديمة، بل وردت لفظة - الوارث  ، وقد قال تعالى:"وعلى الوارث مثل ذلك" - البقرة 233، وجمع (وارث) = وَرَثَـة: قال تعالى:"واجعلني من ورثة جنة النعيم " - الشعراء 85.

 أستاذنا الجليل الدكتور فاروق حفظه الله

 

س –

قلتَ عاليه:

بات بمعنى نام، نحو بات أبوك في الفندق.

وأجد بعض الغضاضة في قبول هذا لأن العرب تقول "بات يرعى النجوم" فكيف تكون "بات" بمعنى "نام"؟

          أ. الليثي

ج –

أما (بات) فمن معانيها أقام في الليل...ويكون مصدرها: بيتًا، بياتًا (وردت في القرآن)، مبيتًا ومباتًا....ومضارعها: يبيت، ويبات....ولا أعرف ارتباط بات بالتعبير (يرعى النجوم) بالضرورة....يقول النابغة:

تطاول حتى قلت ليس بمنقضٍ

                                       وليس الذي يرعى النجوم بغائـــبِ

 (بات) الناقصة ومضارعها يبات - تعني أصلاً - دخل عليه الليل وهو يفعل كذا: بات الرجل يبكي، ثم أخذت معنى (صار) بدون ارتباط بالزمن مثل أضحى وأصبح، فنحن نقول: أصبح الطفل يضحك (دون ارتباط زمني)، وهي بمعنى بات....أو أضحى....

 

 

 

س – شفهي أم شفوي ؟

مها

ج –

إلى الدكتورة مها:

كل منهما صحيح،

فأما الشفوي فقاعدة ذلك: إذا عوض عن المحذوف تاء التأنيث يجب حذف العوَض ورد المحذوف، فنقول في سنة = سنوي، وفي لغة = لغوي، وفي شفة = شفوي....

أما شفهي، فلأن أصل التاء المربوطة في (شفة) هاء أو واو، وشفهي أحسن، وهي على الألسنة دارجة....           إذن لك الخيار

 

س – أستاذي الفاضل الفاروق.. أدامه الله فاروقًا بين الحق والباطل

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

اختلفت مع الأستاذ الفاضل أبو صالح حول معنى كلمة ((خف))، تحت الرابط التالي: http://wataonline.com/forum/viewtopic.php?t=570

هل هو: حذاء للقدمين عادة يغطي كامل القدم

أم هو: حذاء للقدمين عادة لا يغطي كامل القدم ويمسك القدم بحزام أو ما شابه ؟

أرجو منكم أن تشرِّفونا بقراءة المداخلات ذات العلاقة في الرابط أعلاه، حيث ذكر كل منا أسباب اختياره لهذا المعنى أو ذاك.

وتقبلوا مني تحية إكبار وإجلال لعلمكم الغزير

جميلة حسن

ج -

قرأتها يا جميلة، وأشكركم كلكم.....

وبعد التحية فأنا مع لسان العرب أنه ما يُلبس وكفى... وهكذا ذكر معجم المنجد، بينما الوسيط أضاف أنه من جلد رقيق........، فمن شاء التوسع فثمة كتب تبحث في الألبسة عند العرب في العصر العباسي، وهناك إذا لاحظ فرقًا فليتحفنا به.....

مع تحياتي للجميع

 

 

س –  هل من الخطأ القول: يتعرف الناس على بعضهم البعض"

 

ج –

 

الصواب هو في قول: يتعرف بعض الناس إلى بعضهم

أو "يتعرف الناس بعضُهم إلى بعض". (بعض هنا بدل جزء من كل ، وهي مرفوعة هنا ) .

وخطأ أن نقول: "يلعب الأطفال مع بعضهم البعض"، والصواب القول:"يلعب الأطفال بعضهم مع بعض"

أو يلعب بعض الأطفال مع بعض.

نقول: انتقم بعضهم من بعض، وخرج بعض الصحابة على بعض، وقال تعالى: " وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون " وفي القرآن :

 " بعضهم أولياء بعض " و " بعضكم لبعض عدو "...

أما قول الإنجيل: أحبوا بعضكم بعضًا فشكل (بعض) الأولى هو الرفع لأنه بدل من الواو: أحبوا بعضُــكم....



 

 

س –

ما الفرق بين الجملتين: ربنا لك الحمد.  ربنا ولك الحمد.

ج –

تحية فيها سلام...

ربنا! لك الحمد.

هنا جملتان: الأولى جملة النداء، والجملة الثانية الاسمية هي استئنافية. والقائل هنا يركّز على الجملة الثانية - جملة الدعاء. نحو:

صديقَــي، لك التحية.

أما القول الثاني: ربنا، ولك الحمد!

فالجملة الأولى جملة النداء، والثانية جملة حالية، والتركيز هنا على نداء الله ودعوته أو دعائه، وتبقى الجملة الثانية وصفية لحال الخالق
في أثناء دعائي .....ومثلها :

صديقي - ولك التحية !

 

س -

قرأت لك في أحد الأماكن قولك: "إن للمغاربة صولات وجولات في الاشتقاق". ويوحي هذا القول باستحسانٍ للاشتقاقات المغربية التي لا تخلو من جرأة لغوية بادية تهدف إلى السهولة والدقة في آن واحد. من هذه الاشتقاقات الجريئة قولهم:

· "تَقَهْوَنَ": "تناولَ القهوة في الصباح"؛

· "تَأَسْلَمَ تَأَسْلُماً" فهو "مُتَأَسْلِمٌ": "أصبحَ سلفياً/أصولياً"! ومنه: "ظاهرة التأسلم" أي "الظاهرة السلفية الأصولية"، وكذلك "مُتَأَسْلِمُو العصر؛ المُتَأَسْلِمُون": "السلفيون/الأصوليون"؛

· "تَمَظْهَرَ": "اتخذ مظهراً ما"؛ تظاهر بمظهر ما"؛

· "تَمَخْزَنَ": "باع ذمته للمَخزن"، والمخزن هو الدولة!

· "تَمَدْرَسَ": "ذهب إلى المدرسة وداوم على الدراسة فيها". ومنه: "بلغَ سِنُّ التَّمَدْرُس" وهي السن التي يلزم الطفل فيها بالالتحاق بالمدرسة والمثابرة على الدراسة فيها؟

وسؤالي هو: ما رأيك في هذه الاشتقاقات؟! هل تجد فيها جرأة لغوية تستحق الاهتمام والاقتداء بها، أم ترى فيها خروجاً على اللغة وأصول الاشتقاق فيها؟!

وتحية عبد رحمانية!

 

 

ج –

تحيتي ومحبتي

فالشكر الأوفى على تحفيزكم الهمة !

وبعد، فإن (تقهون) تختلف عن الكلمات الأخرى بعدها، بسبب زيادة النون، وهذه الزيادة كانت معروفة في اللغة قديمًا وخاصة في الأسماء، على نحو: رَعشن، ضَيفن، خِلبن (المرأة الخرقاء) وقَرطن....(للتوسع انظر: المزهر للسيوطي ج2 260)

والعامية أكثرت من هذه الزيادة: تقهون، تهمجن، تحرمن، تركبن، فرعن، روحن (او تروحن)....

وللتذكير فإن تَقَهْوَنَ": ليست مشروطة في العامية أن يكون معناها "تناولَ القهوة في الصباح"؛ بل يمكن في كل وقت.(إلا إذا كان الفعل زمنيًا خاصًا في صقع عربي، ولا أدري ).

أما صيغتا فعلل وتفعلل وكذلك تمفعل ومفعل فقد وردت مثل هذه الزيادات في العربية القديمة (ينظر: كامل مراد: نشأة الفعل الرباعي في اللغات السامية الحية، القاهرة - 1963 وأذكر منها: تمدرع، تمندل، تمنطق تموضع، تمشرق، تمسكن مرحب، مسهل،.......

وبالطبع، فقد توسعنا في اشتقاقات على غرارها في لهجتنا المحكية، حيث أخذت تدخل إلى الصحف: مسرح، تمسرح، تمذهب، تأسلم، ويمكن بدون التاء. "تَمَظْهَرَ"، تمترس، استمدر (على غرار استنوق).

إن رأيي في مثل هذه الاشتقاقات هو أن فيها جرأة لغوية تستحق الاهتمام ويمكن الاقتداء بها، ولكن بشرطين:

أولا: ألا تنافس معنى آخر، لأن اللغة بحاجة إلى تحديد وتدقيق، فلا نقول مثلا (تطيّر) بمعنى ركب الطائرة،(تشمم) بمعنى اشترى الشمام، لأن هناك المعنى الآخر المعروف.

وثانيًا: ألا يسبب ذلك إلى التقعر اللفظي أو السخرية في اختيار اللفظة الجديدة، نحو فكسست (أرسلت فاكسًا) فالأفضل فكسلت.أؤيد التجديدات إذا وردت في سياقها، فما المانع من معجن، مأسس، تمأسس، تمخطر، تمصرف....

وحبذا أن يتأتى التجديد ممل له باع في اللغة والأدب، حتى لا يكون الأمر لكل من هب ودب.

هناك كتاب جاد حول: الفعل الرباعي كتبه د. إلياس عطا الله (الناصرة 2000)، وجدير أن نستأنس برأيه.

وقبل أن أنهي تذكرت في هذا السياق حديثًا لابن مسعود، وهو يخاطب امرأة سألته أن يكسوها جلبابًا، فقال لها:

إني أخشى أن تَدَعي جلباب الله الذي جـَلـْبَــبك، فقالت: ما هو؟ فقال: بيتك...

وقد قرأت في المزهر للسيوطي في سياق السخرية من استخدام المزج بين العربية والفارسية في الخطاب:

          يقولون لي شَــنْــبِـــذْ ولست مشنبذًا

                                         طـوال اللـيـالي ما أقام ثبــيـر

وشنبذ مأخوذة من (شون بوذ = كيف) الفارسية... ويبقى لنا من الموضوعة أنه اشتق رباعيًا جديدًا، بل جعل منه اسم فاعل.

آسف لأنني لم أستطع حصر جميع ما كتبته سابقًا، فلعلني بالغ بهذا الغيض أمرا.

وتحيـــة فاروقيـــة

س:

يا صديقنا، كيف نكتب الأسماء ثروت، طلعت، مدحت - هذه التركية الأصل ؟ هل نبقيها بالتاء المفتوحة أم أنها: ثروة، مدحة....إلخ

د. توفيق حلمي - مصر

ج – استفتاني الحبيب د.توفيق - وفقنا وإياه الله - بخصوص الرسم الإملائي لاسم (ثروت) وما جرى مجراه: همت، حشمت، عفت، طلعت... وأقول: تكتب تاء التأنيث مربوطة وتنقط (ة، ــة): إذا كانت في اسم مفرد غير مضافة لضمير (وكان ما قبلها متحركًا فعلاً أو أصلا ً)، وذلك لانقلابها هاء ساكنة في الوقف، ولذلك تسمى هاء التأنيث، نحو: فاطمة، قناة، ابنة (هذه الهاء لا تنقط إذا وقعت في سجع أو في شعر).

 وتكتب مفتوحة:

* إذا أضيفت لضمير، فسيرة تصبح سيرتـــه، ومن طابت سريرته حمدت سيرته.

* في الأسماء مطلقًا مفردة أو مجموعة، نحو: بنت، فاطمات، أبيات....

وفي الأفعال، كتبت (أرجو الانتباه إلى إملاء كتبتِه، فقد أضاف بعضهم ياء بعد التاء، وهو خطأ شائع)، ذهبتِ (وليس ذهبتي، وهذا لتذكير البعض.) ، 
إذن هو ثروت، وتلك عفت وأخوها مدحت، لأننا إذا وقفنا لا نلفظ الحرف الأخير هاء.....

 


 

حوار أدبي لغوي (على الشبكة)

 

تقول يا عزيزي د. محمد لطفي ملحس مستعرضًا ما يقول الأستاذ جميل علوش في كتابه من جدل النحو والإعراب -:

" ويقول امرؤ القيس أيضًا:

                   فتوضح فالمقراة لم يعفُ رسمها

                                             لما نسجتها من جنوب وشمأل ِ

ويتضمن هذا البيت قائمة من أسماء الأمكنة التي لا تضيف إلى ما سبقه شيئا. وتتمة البيت إغراق في الخطأ. والسؤال هو: أين فاعل (نسجت) ؟ وعلام يعود ضمير الغائبة في (نسجتها) ؟ كل ذلك غير واضح لأن البيت غير مستو."

وأقول:

إن ذكر الأماكن كان بغرض التحديد... فهي جميعها من منازل كلاب، وهناك من يفسر المقراة بأنها الغدير (النحاس)....

أما قوله (لما نسجتها) فإن (ما) في معنى التأنيث، والتقدير: للريح التي نسجت المواضع. والهاء في (نسجتها) تعود على الأماكن الأربعة التي ذكرها، و (نسجت) صلة ما، وما فيه من الضمير يعود على (ما) (التبريزي ).

ويروى (لما نسجته) والهاء تعود على الرسم، وقال بعض أهل اللغة يجوز أن تكون (ما) بمعنى المصدر، والتقدير (لنسجها الريح) أي للتي نسجتها الريح، ثم أتى بمن مفسرة (ابن الأنباري) ،ففي (نسجت) ذكر الريح، لأنه لما ذكر المواضع والنسج والرسم دلت على الريح، فكنى عنها لدلالة المعنى عليها، ونحن نلمح ذلك أيضًا في مثل - (إذا حشرجت يومًا وضاق بها الصدر)، فمن تكون التي حشرجت غير (النفس أو الروح).

ويقول:

" كأن ثبيراّ في عرانين وبله       كبير أناس في بجاد مزمّل

أخطأ الشاعر هنا في جرّ (مزمل)، وحقها الرفع، لأنها نعت للفظة (كبير) التي هي خبر (كأن) فهو مرفوع. فعلى أي أساس جرها الشاعر العظيم ؟!

قد يقول بعضهم: جرها للضرورة الشعرية.

والجواب هو: من قال إن الضرورة الشعرية ملجأ للعجزة يستعملها أي كان في كل مكان ؟ !

وأقول:

يا عزيزيَّ لسيت الضرورة الشعرية كما ذهبت، بل هناك (خفض على الجوار)، فقد ذكروا نحو ذلك القول (هذا جـُحْرُ ضـبٍّ خَـرِبٍ)، وإنما (خرب) هي نعت للجحر، وحقها الرفع، ولكنها خفضت على الجوار، وهناك أمثلة كثيرة وردت في الشعر، أذكر منها قول الأخطل:

          جزى الله عني الأعورين ملامــة

                                      فــروة ثغــر الثــروة المـتضـاجـم

وحق المتضاجم النصب، لأنها صفة الثغر ولكنها خفضت على الجوار.

وهناك اجتهادات في تخريج مثل ذلك (انظر الخصائص لابن جني، ج1، ص191-193.

هناك في اللغة ظواهر من هذا القبيل شاعت لدى القدماء، كالخفض على الجوار، والإتباع، والأضداد ...، ونحن لا نستخدمها اليوم، ولكنا لا نملك الجرأة في تخطئته.

وتسأل يا صديقي:" قال زهير بن أبي سلمى:

وما الحرب إلا ما علمتم وذقتمو          وما هو عنها بالحديث المرجّم

 

يتساءل المرء: إلى أي اسم يعود الضمير هو ؟ " ثم تجيب: إذ ليس له ما يعود إليه في الجملة إلا بتقدير مصدر غير موجود. وهذا التقدير مفتعل. "

وأقول:

يرى عبد القادر البغدادي في خزانة الأدب:

... وقوله: وما هو عنها، أي ما العلم عن الحرب بالحديث، أي ما الخبر عنها بحديث يُرجم فيه بالظن، فقوله (هو) كناية عن العِلــم، لأنه لما قال إلا ما علمتم دل على العلم - كذا قال الخطيب وأبو جعفر النحوي. (الخزانة ج 3 ص 10) وقال آخر في شرحه:

(هو) ضمير ما، وكأنه قال: وما الذي علمتم.

وقال الزوزني " (هو) ضمير القول لا العلم، لأن العلم لا يكون قولاً - أي وما هذا الذي أقول بحديث مرجّم "، أي هذا ما شهدت به التجارب.

وقال الأعلم - هو: كناية عن العِلم، يريد وما علمتم بالحرب...

ويقول التبريزي في شرح القصائد العشر: فقوله (هو) كناية عن العلم، لأنه لما قال (إلا ما علمتم) دل على العلم. قال الله تعالى: {ولا تحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خيرًا}-

المعنى أنه لما قال (يبخلون) دل على البخل كقولهم: من كذب كان شرًا له " ص 182

فهؤلاء العلماء الأجلاء لم يخطّئوا زهيرًا، وإنما حاولوا أن يجتهدوا في التخريج. وهذا في رأيي يدل على قبول (هو) لا على رفضها.

وتقول يا صديقي:

 وقال زهير:

وإنّ سفاه الشيخ لا حلم بعدَه       وإن الفتى بعد السفاهة يحلُم ِ

جر الشاعر الفعل (يحلم) وحقه الرفع فعلامَ جرّه ؟!

ومثله قوله:

سألنا فأعطيتم وعدنا فعدتمو     ومن يكثر التسآل يوماً سيُحرم ِ

جر الفعل (يحرم)، والفعل لا يجر، وهو غير مجزوم حتى يبدل سكونه بكسرة مراعاة للروي. والسؤال هو: علام جزم الشاعر الفعل (يُحرَم) لكي يبدل سكونه بكسرة ؟

 وما مسوغ ذلك ؟ وقد اقترن الفعل المضارع بحرف الاستقبال (السين). ومن المعروف أن الفعل المضارع إذا دخلته السين أو سوف استعصى على الجزم والنصب، ولم يكن له إلا وجه واحد هو الرفع.

وأقول:

إن هناك أبياتًا منها هذان البيتان لم يردا في معظم المصادر، فقد وردا في شرح الزوزني، ولم أجدهما فيما عدا ذلك، ويبدو أن عدم الانضباط اللغوي (لما سيكون عليه النحو) كان سببًا في عدم سيرورة البيتين.

 

وتقول:

في البيت:

                "يصدر أشياء ويأتي بمثلها

                                           فصار كمنشارٍ متى يسْرِ يأكلِ

بأن كسر (يأكل) هنا بدل رفعها خطأ.. ذلك أن (متى) ليست من حروف الشرط. فحروف الشرط هي: إن (بكسر الألف وتسكين النون)، إذما، لو، لولا، لوما، أمّـا.

فلو كان الفعل (يأكل) مجزومًا نتيجة وقوعه في جواب الشرط، لجاز إبدال السكون بالكسرة مراعاة للروي، لكن الأمر ليس كذلك في هذا البيت. "

وأقول:

والصواب يا عزيزي أن (متى) اسم شرط يعمل أي يجزم مرتين، فكان الفعلان (يسرِ)، و (يأكلْ / يأكلِ) هما المجزومان.

وتقول:

" أما طرفة بن العبد (المتوفى في العام 569م)، فقد كرر لفظة (يد) في القافية خمس مرات. فمن ذلك قوله:

      لخـولة أطلال ببـرقـة ثهمــــد تلوح كباقي الوشم في ظاهر اليــد

وقوله:

      يشـق حباب الماء حيزومها بها  كمـا قسـم الـترب المفايل باليــد

وقوله:

      صـهابية العثنـون موجـدة القرا  بعيدة وخـد الرجل مـوراة اليــد

وقوله:

      فإن كنت لا تسطيع دفع منيتي  فدعني أبادرها بما ملكت يــدي

وقوله:

      لعمرك إن الموت ما أخطـأ الفتى لكالطـّول المرخى وثنيــاه بـاليـد

نلاحظ أن الشاعر كرر لفظة (يد) خمس مرات في قصيدة واحدة... وهو نوع من الضعف غير المسوّغ ".

وأقول:

أنا لا أدري ما المانع في ذلك ما دامت القصيدة مائة بيت ونيفًا، ثم إذا عدت إلى الكتب التي عالجت التكرار وأنواعه في القرآن وفي الشعر لوجدت ذلك مستملَحًا، لأنه يوقّع على نفس الكلمة توقيعًا مريحًا للسامع، ولفظة (يد) خاصة خفيفة ومستساغة...

فحبذا أن تذكر لي أين وجدت ثقلاً ما دامت الأبيات بعيدة عن الأخرى إلا في موضع واحد (بعد ثلاثة أبيات)...وقبل ذلك أحب أن أتعرف إلى مصادر لا تجيز ذلك.....

وتقول:

" قال القطامي (المتوفى في العام 710 م):

والناس من يلق خيراً قائلون له             ما تشتهي ولأم المخطيْ الهَـبَـلُ

جزم الفعل المضارع (يلقى) باسم شرط (مَـن)، ولكن أين جواب الشرط ؟ ومن المعروف أن اسم الشرط ينبغي أن يقع في صدر الجملة، ولم يقع هنا في صدر الجملة فقد سبقته لفظة (الناس).

 أما (قائلون) فهي خبر (الناس). ويبدو مما سبق أن البيت يتضمن خللاً في التركيب. فهو في الأصل: الناس من يلق خيراً يقولوا له.. أما وقد حرص الشاعر على ظهوره بهذه الصورة فالأصل فيه أن تكون (مَن) اسما موصولا، وتكون بدلاً من الناس. وعلى هذا الأساس يجيء الفعل (تلقَ) مرفوعاً إذ هو صلة موصول، لا فعل شرط..

كل هذه المزالق في بيت واحد.. ومع ذلك يزعم الزاعمون أن عصور الاحتجاج لا تعرف الخطأ وشعراؤها معصومون، بل منزهون.. "

 

وأقول:

أولاً يا أخي الكريم، كانت العربية ولسانها قبل النحو وتفصيلاته، وأنت تعرف متى ابتدأنا في التعليل النحوي...وإذا رجعنا إلى النصوص السابقة فإن بعضها لا يتوافق فعلا مع قواعد النحو، وحتى في القرآن نجد عشرات الأمثلة مما لا يتوافق مع قواعد النحو والصرف فيما بعد، فالمشكلة هي في تخريج النحو، وفعلا وجدنا هناك من يخرج مثل (إن هذان رجلان) بصور تقنعنا، ولكننا لا نعتمدها اليوم، ومثلها كثير.

أما بخصوص البيت فإن (من) هنا اسم موصول وليس شرطًا لأنه - كما قلت - لم يقع في صدر الجملة....

وعليه فكل ما حدث أن الشاعر استخدم الزحاف (يلق) بدل (يلقى) المرفوعة.

 

وتقول:

"وقال المتنبي أيضا:

      كفـى ثعــلاً فخراً بأنك منهمــو ودهر لأن أمسيت من أهله أهـل ُ

أدخل الباء الزائدة هنا على المصدر المؤول (أنك منهمو)، والباء تدخل على المفعول فقط، بدليل قول المتنبي نفسه:

كفى بك داء أن ترى الموت شافيا     وحســب المنايا أن يكنّ أمانيـا

زاد الشاعر الباء على المفعول وإلا فإن أصل الكلام كفاك داءً.

 

فكان على المتنبي أن يقول في البيت السابق:

      كفى بثعل فخــراً لأنك منهمــو    ودهر لأن أمسيت من أهله أهل

لولا أن الوزن لا يسمح ولا يتسع. فليس لزيادة الباء هنا من مسوغ إلا الضرورة الشعرية. وهي محمل ضعيف يلجأ إليه كل فاقد الحيلة قليل الاطلاع على دقائق العربية، فيحسب أن الشاعر يجوز له كل شيء.. "

 

وأقول:

الباء تدخل يا أخي على خبر ليس وخبر ما وعلى الفاعل (كفى بالله شهيدًا) وغير ذلك مما لا مجال للاستطراد فيه.

ومعنى البيت أولا كما يورده شرح البرقوقي:

كفى ثعلاً - بطن من طيّـئ - فخرًا على سائر العرب كونك منهم، وكذلك الدهر كفاه فخرًا على سائر الأزمنة كونك من أهله.

ويضيف الشارح: " ثعل مفعول ( كفى) و (فخرًا) تمييز، و(أنك منهم) فاعل كفى، وارتفع  (دهر) بفعل مضمر دل عليه أول الكلام كأنه قال: وليفخر دهر أهل لأن أمسيت من أهله، فأهل صفة لدهر...."

وروى ابن فورجة (ودهرًا) وثمة نقاش حولها فقط، فالمشكلة اللغوية لم يثرها أحد في صحة صدر البيت، ولم أجد ذلك في أي مصدر تقرّى أخطاء الشاعر، نحو يتيمة الدهر للثعالبي (باب عسف اللغة والإعراب).

إن المتنبي - و هو الفحل في اللغة - لم يخطئ في هذا البيت، وهذا مبلغي من العلم، والله أعلم (ما أجمل هذه القفلة التي نهجها السلف، وهي تدع الباب مفتوحًا لزيادة البحث !).

 

 

 

أخي الكريم د. عماد لطفي.

تحيات لغوية وأدبية

تقول:

قال ابن الوردي (المتوفى في العام 1348 م):

أترك الدنيا فمن عاداتها                   تخفض العالي وتعلي من سَـفـَل

يكمن الخطأ هنا في أن الشاعر جرّد الفعل من أداة مصدرية تؤهله لأن يؤول بمبتدأ، فكان ينبغي أن يقول (أن تخفض) أو (أنها تخفض). أما تجريد الفعل من أداة المصدر فهو غير جائز مهما تحذلق المتحذلقون !

أظن أن الجملة الأخيرة لا ضرورة علمية فيها، فأنت تعلم أن بحر العلم يأتي لك كل يوم بجديد، فلا تغلق جميع المنافذ !

وأقول:

في رأيي أن العربية نثرًا وشعرًا أجازت حذف (أن) أو ذكرها، فهل نخطّئ من يقول: من عادتي يوميًا: أصلي الفجر وأمارس رياضة المشي ؟ فهل شبه الجملة تستلزم مبتدأ؟ أين ذكر ذلك ؟ و في أي مصدر ذكر أنني يجب أن أجعل (أن) قبل الفعل ؟

ومثل هذه الجملة التي ذكرتها: أسبح يوميًا من رياضتي وهوايتي،

فشبه الجملة متعلق بمحذوف حال.

 

ثم تقول:

وقال صاحب اليتيمة:

الوجه مثل الصبح مبيض                والشّعر مثل الليل مسوَدّ ُ

يكمن الخطأ في لفظة (مبيضّ)، فهي لا تصح إلا بفك إدغامها، لأن الشاعر توهم أن في البيت تصريعاً، مع أن البيت يخلو من التصريع لأنّ الضاد غير الدال. وسرّ الإشكال يكمن في أن الوزن يحتمل في التصريع وقوع (فعلن) بسكون العين في آخر الشطر الأول. وإذا لم يكن في البيت تصريع وجب التمسك بالتفعيلة الأصلية (فعـِلن) بكسر العين. وإذا لجأنا إلى التقطيع كانت فعلن بسكون العين هكذا (- -) وبكسر العين هكذا (UU -) وقد خفي ذلك على الشاعر وعلى الدارسين من بعده.

وأقول:

إن انتباهك إلى ذلك جميل، ولكن يا عزيزي ورد ذلك لدى آخرين، فهل نخطئهم جميعًا لا لسبب إلا لأن العروض في السريع يجب أن تكون مطوية وليست من الأصلم؟

اقرأ لابن عبد ربه نموذجًا:

                   ويحي قتيلاً ما له من عقل

                                                شادن يهتز مثل النصل

                   مكحل ما مسه من كحل

                                             لا تعذلاني إنني في شغل

فهذا أيضًا من البحر السريع، وثمة أمثلة أخرى.

ثم إن البيت الذي خطّاته ليس تصريعًا كما تعلم...فإن أثبتّ لي مصدرًا عروضيًا يخطّئ العكوّك فأنا مصغ وسأتعلم.

 

وتقول:

قال عروة بن حزام:

يكلفني عمّي ثمانين ناقة                  وما لي يا عفراءُ إلاّ ثمانيا

هذا البيت يشتمل على خطأ خطير.. فحسب الشاعر هنا " إلا" استثنائية، فنصب ما بعدها وهي حاصرة، فيعرب ما بعدها حسب حاجة ما قبلها، ويقتضي بناء الكلام أن يكون ما بعدها مبتدأ مرفوعاً، ولكنه نصب فأخطأ.

وجوابي أن البيت هو الشاهد المئتان والثلاثون في خزانة الأدب، وهناك إشارتان مهمتان:

أن الفراء أجاز النصب نظرًا إلى المقدَّر، والأصل (وما لي نوق إلا ثمانيا).

إن الرواية في معظم المصادر الأخرى هي:

                   يكلفني عمي ثمانين بكرةً

                             وما لي يا عفراء غير ثمان ِ

انظر النونية في كتاب النوادر للقالي، ص 160.

     *                         *                                    *

 

الحبيب أبا ياسين

تحيتي ومحبتي

وشكري لأنك أرسلت لي بالبريد ما يشعرني بأن أدلي بدلوي : في صحة :

"قلت نفس الكلام "  أو " قرأ الشاعر نفس الكتاب "......  

 

ج –

 

تعلمنا أن نجعل التوكيد المعنوي بعد المؤكد، فنقول: قرأت المادة نفسها، وقد خطّأ أسعد داغر في تذكرة الكاتب، ص39  وزهدي جار الله في  الكتابة الصحيحة، ص369)، ومحمد العدناني في معجم الأخطاء الشائعة، ص252- من يقدم (نفس) كأن يقول: قرأت نفس المادة .لكنا نجد لدى سيبويه (الأب أو المعلم):

" ولما كانت نفسك يتكلم بها مبتدأة وتحمل على ما يجر وينصب ويرفع بما يشرك المضمر، وذلك قولك: نزلت بنفس الجبل، ونفس الجبل مقابلي، ونحو ذلك "الكتاب" ط بولاق، ج1، ص390، وطبعة هارون، ج2، ص379.

وجاء في لسان العرب: ونفس الشيء ذاته (مادة: ن ف س) .

ومن العجيب أن يخطّّئ العدناني هذا الأسلوب ثم يستعمله في قوله :

"وتحمل نفس المعنى في الآية 32 من سورة القصص"انظر معجم الأخطاء، ص60.
أما (عين) فأرى خطأ استعمال: جاء عين الرجل، وذلك لاحتمال معان مختلفة في الدلالة، ولم أجد من سوّغها .

 

أخلص إلى القول برأيي أن الأفضل هو تأخير (نفس وضميرها)، وهكذا أكتب أو أخطب عادة .

ولكني لا أحاسب أو أعاتب من جعل (نفس) مضافة، فقال: قرأت نفس الخبر، فقوله هذا مبرر .

من أسامة أمين :

شكراً على هذه الإجابة المستفيضة.

وفي الحقيقة يجب التمييز بين استعمال (نفس) بمعنى التوكيد وبين استعمالها بمعنى الإشارة إلى شيء بذاته.

وقد أشار أساتذتي قديماً إلى أنه، على الأقل، ليس للشيء نفس ، لكي يقال نفس الشيء  وفي ذلك أيضاً إزالة اللبس بين نفْس (بسكون الفاء) و( نفََس (بفتحها.

ولربما كان هذا الخطأ ناتجاً عن الاستعمال في اللغات الأجنبية لأنَّ الإنكليزية والفرنسية والألمانية تستعمل صيغة مقلوبة بالمقارنة مع الصيغة العربية.

أتمنى بعد مجموع هذه التوضيحات أن يقلع زملاؤنا عن استعمال التعبير بشكل خاطئ...

ج -

أخي العزيز:

اقرأ مرة أخرى ما كتبتُ ووضحت، ولا تخطّئ من يقول: "قرأت نفس المادة" ، و"لعبت نفس اللعبة"، فقد وردت في كلام العرب ، ولا يقصد القائل هنا إلا ما يوافق التعبير بالإنجليزية :

  I`ve played the sam game .

ثم إننا لا نتحدث عن (نفَس) بفتح الفاء .

وأخيرًا فإن الشيء لا يؤخذ إلا من مصادره ، والمصادر هي مراجع معتمدة للقاصي والداني .

وسلام عليك !

 

- من أسامة مرة أخرى :

الأستاذ فاروق،

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

فعلاً قرأته، ولكني أحببت إضافة التساؤلات للتأكد...

وقد لاحظت أن لسان العرب يورد ذلك بدوره عن لسان سيبويه ، وإن كنت أعتقد أنه إذا دققنا في الأمر فسنرى أنه عندما يعرِّف ذلك يقول: ونفس الشيء عينه يؤكَّد به. وعندما يأتي بالمثال بعده مباشرة يقول: رأيت فلاناً نفسه وجاءني بنفسه.

وهو في القول الأول تعريف،  وليس جملة يورد بها الصيغة، وفي القول الثاني يورد المثال عن الاستعمال. ولو جاز الوجهان لقال ذلك...

ما رأيك ؟

 

ج -

لسان العرب يا عزيزي قال بوضوح:"ونفس الشيء عينه - يؤكد به ..."، ولا ضرورة عند الاستشهاد أن يأتي بكليهما، وقد قلت لك إنني شخصيًا لا أستخدم إلا الصورة التي تتأخر فيها (نفس)، فهل يعني عدم استعمالي أن الثانية خطأ ؟!!

ثم إن سيبويه هو أستاذ ابن منظور، وهو يقول كما أورد صاحب اللسان: نزلت بنفس الجبل، فهل تظن أن ابن منظور يعارض ذلك؟

يا عزيزي : لا تتعجل في التخطئة، وإذا أحببت التوسع فدونك كتاب "حركة التصحيح اللغوي في العصر الحديث" للدكتور محمد ضاري حمادي ، ص231، وكذلك كتاب في "أصول اللغة" الجزء الثاني، ص291، وفيه قرارات مجمع اللغة العربية التي تجيز ذلك .

أدعوك لزيارتي في موقعي ضمن زاوية: اسأل...، http://faruqmawasi.com

فربما أفيد من ملاحظاتك

بمحبة

أخي الكريم: استعمالك "أعتقد" تقصد به "أظن"، فهل هذا صحيح؟ أم أن الأمر عن عقيدة؟

 

تعليق أسامة:

الأستاذ فاروق،

بارك الله فيك على إجابتك التي فتحت لي عدة موضوعات مفيدة وسأتوجه إليك عندما تكون عندي أسئلة خاصة تستعصي على قسم التحرير في دار النشر.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

                                     الثــبــت

 

 

 

اللغة العربية وأهميتها                                    3

 

من أحشاء اللغة                                            6

( حلقات نشرت في مجلة صدى التربية )

 

 

دراسات :

 

خطاب الواحد بخطاب الاثنين                          51

 

الاسم المقصور وأحكامه                               58

 

اللغة في أدب الأطفال                                   74

 

أسئلة من عشاق اللغة                          79

والأدب ،  واجتهادات

في    الإجابـــــــــــــة


 

[1] نص كلمة نشرت في مجلة الفكر الجديد، العدد الأول، الناصرة 2002، ص 18.

[2] - مما يسترعي الانتباه أننا نجد مقابل (هم) للجمع المذكر (هما) للتثنية ؛ ومقابل (أنتم) نجد (أنتما) للتثنية أي بزيادة ألف، ولكنا لا نجد في ضمير المتكلم (نحن) ما يقابلها بحيث يخص المثنى – كأن نقول (نحنما)، ولعل ذلك يعود إلى اعتبار المتكلمَـينِ الاثنين جماعة بسبب الفخر ومتطلباته التي تدع العربي المتكلم وكأنه جماعة، فكم بالحري إذا كان هناك من يقف معه.

[3] - ابن فارس: الصاحبي، ص 219 قد ذكر العبارة محقق الكتاب مصطفى الشومي نقلا عن السبكي في كتابه عروس الأفراح على شرح تلخيص المفتاح. وقد وردت الجملة كذلك على أنها قول لأحد الفصحاء (خزانة الأدب، ج 6، ص 148).

[4] - الجمحي، ابن سلام: طبقات فحول الشعراء، ج 1، ص 178، وقد ورد البيت في الصاحبي (م. س) بلفظة (أنزجر) بدلا من (أزدجر) ولفظة ( تدعاني) بدل (تتركاني). كما ورد في الشعر والشعراء (أنزجر)، ج 2، ص 635.

أما الشاعر فهو أموي كان قد هجا بني عبد الله بن دارم، فاستعدوا عليه سعيد بن عثمان بن عفان، فطلبه، فهرب منه.

[5]- نحو: خليلي قوما في عطالـة فانظرا   أنارًا ترى من ذي أبانينَ أم برقا، ونلاحظ قول الشاعر (ترى) بعد قوله (خليلي َّ).

وفي الهامش الذي شرح فيه محمود محمد شاكر (ص 178) يقول "إن الأنباري في شرح السبع الطوال يقول: فقال خليليّ، فثنى، ثم قال: أنارًا، فوحد".

 

[6]  أورد الزركشي في البرهان في علوم القرآن، ج 2 نحو أربعين وجهًا من "وجوه المخاطبات والخطاب في القرآن " وذكر من بينها خطاب الاثنين بلفظ الواحد، وخطاب الجمع بعد الواحد، وخطاب الواحد والجمع بلفظ الاثنين 239)، وقال ابن فارس في أكثر من موضع – وهو يتناول ظواهر لغوية خارجة عن المألوف اللغوي: " من سنن العرب أن تفعل ذلك "

 ( الصاحبي، ص 211 213.....).

[7] - يقول التبريزي: " أراد " قفنْ " بالنون، فأبدل الألف من النون، وأجرى الوصل مجرى الوقف. وأكثر ما يكون هذا في الوقف "، انظر: شرح القصائد العشر، ص 20 وانظر كذلك - البغدادي:خزانة الأدب، ج 11، ص 18.

[8]  - ابن عبد ربه: العقد الفريد، ج 5، ص 388.[8]

[9] - سورة ق آية 24. ويورد كذلك بيت شعر آخر هو لمضرّس بن ربعي الفقعسي: وقلت لصاحبي لا تحبسانا...... (خزانة الأدب، ج 11، ص 17(.

[10]  - ن. م، ويذكر البغدادي رأي ابن النحاس "أن هذا شيء ينكره حذاق البصريين، لأنه إذا خاطب الواحد مخاطبة الاثنين وقع الإشكال "، ويضيف البغدادي نوعًا من الاعتراض، فيعقب على قول ابن النحاس: " وفيه نظر، فإن القرينة تدفع اللبس ".

[11] - القرطبي: الجامع لأحكام القرآن، ص 12، ويسوق كذلك رأي المازني المبرد أنها تثنية على التوكيد، ويضيف القرطبي " ويجوز أن يكون " ألقيا " تثنية على خطاب الحقيقة من قول الله تعالى يخاطب الملكين. وقيل: هو مخاطبة للسائق والحافظ "ويعني بذلك الآية {وجاءت كل نفس معها سائق وشهيد}" (ق ،21) – أي الآية التي تسبق آية " ألقيا.... " بثلاث آيات.

[12] - يقول ابن جني:"إن العربي الفصيح إذا قوي طبعه لم يبال أن يقع الشذوذ في شيء من   كلامه "، الخصائص ج 2، ص 392.

[13] - الجمحي، طبقات فحول الشعراء، ج 1، ص 180.

[14] - انظر مثلا – القرطبي: الجامع لأحكام القرآن، ج 15، ص 44.

[15]  - انظر "ولله المشرق والمغرب..."، البقرة 115، 142، 177، 258، الشعراء 28، المزمل 9.

[16]  - ابن جني: الخصائص، ج 2، ص 392.

[17] - كأنه توكيد لفظي، فبدلا من قوله "ألقِ ألقِ" مرتين قال ألقيا (وكأن ذلك مثنى) وعلى غرار ذلك فسرت الآية "... قال رب أرجعون" (المؤمنون 99) أي أرجعني، وبدلا من تكرار ذلك ثلاث مرات "جعلت الواو علمًا مشعرًا بأن المعنى تكرير اللفظ مرارًا"

(الزوزني: شرح المعلقات السبع، ص 7).

* لا اعني بالاسم المقصور ما اصطلح عليه العروضيون أو البلاغيون، وجدير بالذكر كذلك أن النحويين لا يطلقون "الاسم المقصور" على الاسم إلا إذا كان معرباً، بخلاف اللغويين والقراء، فإنهم يطلقونه على المعرب والمبني، ولذا يقولون في "أولى" أنها اسم مقصور، مع أن الاسم مبني، فالاصطلاح متباين عند كل فريق (انظر: حسن. النحو الوافي ج1 ص88).

1 من هذه الكتب التي عالجت الموضوع كتاب "المقصور والممدود". وقد ألف كتباً تحمل العنوان نفسه كل من: ابن السكيت (ت 859م) والسِّجِستاني (ت 869م) وابن ولاّد التميمي (ت 910م) والفرّاء (ت822م) وابن القوطية (ت 977م) وابن دُريد (ت 933م) وأبي علي القالي (ت 967م)، وقد تعرفت على منهج بعض هذه الكتب في جميع الأسماء المقصورة وتصنيفها، حيث أن الكتاب مقسم إلى أبواب، نحو: باب ما يفتح أوله فيقصر ويكسر ويمد، باب ما يفتح فيمد ويضم ويقصر... وهكذا.

[18] العلة هنا التقاء ساكنين، فأصلها "فَتَاْنْْ"، ولكن إذا ألحقت ياء المتكلم بالاسم المقصور فتحت الياء، تحاشيا من الساكنين، فنقول " هذا عصايَ وذاك فتايَ "، وبالطبع فنحن لا نتحدث هنا عن القراءات كقراءة نافع " ومحيايْ " بسكون الياء، أو قراءة الأعمش والحسن البصري: "عصايِ" بكسر الياء.

[19] انظر كتاب درويش "إعراب القرآن الكريم وبيانه" المجلد الثالث، دار الإرشاد للشؤون الجامعية، حمص-1988- ص 292.

[20] يلحق بالاسم المقصور لفظتا "كِلا" و"كِلتا" إذا أضيفتا إلى الاسم الظاهر (وليس إلى الضمير)، فنقول: " كلا الرجلين ناجح" و" سلمت على كلتا الضيفتين".

 [21] انظر: W. Wright: A Grammar of the Arabic Language، 3rd Edition، Cambridge University press - 1967،  (Part 2 P. 11).

 وقد أورد "رايت" أن الألف الممدودة كانت تكتب في بعض المخطوطات القديمة على غرار "ردآء".

[22] انظر شرح الأشموني على ألفية ابن مالك، ج1. دار الكتاب العربي، بيروت- 1955، ص44.

 [23] نستثني "رِضاً " فتثنى على " رِضَيان " مع أن أصلها واوي " الرِّضْوان ".

[24] ومن هنا نفهم وجه الخطأ في القول الشائع "الدولتان الأعظم".

[25] لم تحذف هاء التأنيث في المثنى حتى تبقى الدلالة على تأنيثه.

[26] أما "حياة " فتجمع على " حَيَوات "، رغم أن الألف اصلها ياء، وكان علينا أن نقول " حييَات، ولكن وبسبب كراهة اجتماع ياءين أصبحت الكلمة " حَيَوات ".

[27] ومن الشعراء من استهواه التصغير أو "التحقير" في لغة البعض، يقول ابن الفارض (ت 1235)

   يا أهيل الود أنّى تنكر    (م)  وني كهلا بعد عرفاني فُتَىّ

   وضع الآسي بصدري كفه  قال: ما لي حيلة في ذا الهُوَيّ

   آه وا شوقي لضاحي وجهها        وظما قلبي لذيّاك اللُّمَيّ

فكلمة "فُتَيّ " تصغير "فَتًى" و"هُوَيّ "تصغير "هَوًى" و"اللُمَيّ" تصغير "اللَمَى" وهذه جميعا أسماء مقصورة نسب إليها.

[28] انظر كتاب (رايت) ج2 ص169، ويذكر كذلك أن تصغير "حُبارى" (ثالثه حرف مد) يكون على وجهين إما "حُبَيْرى" أو "حُبَيِّر"، وقد سبق أن ذكر هذه الملاحظة ابن عقيل (ت 1367م) في شرحه (انظر الجزء الثاني ص 360).

[29] يرى بعض النحاة أن ألف التأنيث الممدودة كحمراء كانت في اصلها مقصورة "حَمْرى"، فلما أريد المد زيدت قبلها ألف أخرى، والجمع في النطق بين ألفين ساكنين محال، وحذف إحداهما ينافي الغرض من ذكرها، إذ لو = =حذفت الأولى لضاع الغرض من المد، ولو حذفت الثانية لضاع الغرض من التأنيث، وقلب الأول حرفا قريبا منها وهو الهمزة يفيد الغرض من المد، فلم يبق إلا قلب الثانية همزة لتدل على التأنيث كما كانت هذه الألف تدل عليه قبل انقلابها، (انظر: النحو الوافي ج4 ص197).

[30] الوجه الصحيح لكتابة التنوين أن يكون على الحرف الذي قبل الألف المقصورة، وهذا ما انتبه إليه كتاب (رايت) (انظر ج2 ص13 وكذلك ص121)، كما انتبه إليه المحقق عبد السلام هارون في كتابه قواعد الإملاء ص25.

[31] ورد في لسان العرب في مادة "جُحا": (قال الأخفش: لا ينصرف لأنه مثل عمر، قال الأزهري: إذا سميت رجلا بـ "جحا" فالحقه بباب "زُفَر"، و "جحا" معدول من جَحا- يجحو إذا خطا.

[32] يستثنى من ذلك ما لحقته ألف الإلحاق (انظر البند السابق)، كما تستثنى أسماء الأعلام الأعجمية، نحو: "موسى"، "عيسى"، أما لفظة موسى في قولنا "حلق لحيته بالموسى" فهي تذكر وتؤنث، وعلى ضوء ذلك فهي تنصرف ولا تنصرف، وتجمع على قول من صرفها " المواسي" وعلي قول من منعها على اعتبار التأنيث "موسيات".

[33] انظر: النحو الوافي ج1 ص189، ومن جهة أخرى يشير عبد السلام هارون أن الكوفيين كتبوا كل ما كان على وزان "فُعَل" أو "فِعَل" بالياء سواء كانت الألف منقلبة عن واو أو عن ياء، نحو: " العُلى"، "الحِجى"، "العِدى"، مع أن الأصل واوي في كل منها "العلو والحجو والعدوان". ويرى هارون أن هناك مذهبا آخر لكتابتها بالألف مطلقا سواء أكانت منقلبة عن واو أو عن ياء، (أنظر: قواعد الإملاء - الطبعة الثانية - مكتبة الخانجي- القاهرة – 1976 ص24).

[34] أنظر: ابن قتيبة: أدب الكاتب، مؤسسة الرسالة- 1982 ص304، وانظر كذلك باب ما يستعمل في الكتب والألفاظ من الحروف المقصورة التي تكتب بالياء (ن.م-ص297) وما يكتب بالألف (ص 298).

[35] يفرق بعضهم بين ما هو علم فيكتبون: "دنْيى" و "رَيّى" وبين ما هو غير علم فيكتبون: "دنيا" "ريّا"، انظر: هارون-قواعد الإملاء ص25.

[36] إذا وردت لفظة "موسى" مجرورة فنعربها: اسم مجرور بفتحة مقدرة لأنه علم أعجمي ممنوع من الصرف، إما إذا أضيف الاسم أو حلي بلام التعريف فيجر بكسرة مقدرة.

[37] نلاحظ هذه الأيام شيوع الخطأ في كتابة بعض أعلام المؤنث، فيكتبون "لِينَة" هكذا "لينا"، كما يخطئون ويكتبون "فاديا" "ديما" "شاديا" "ناديا" "ساميا" وكأنهم يوحون بذلك إلى أن الأسماء أعجمية، مع أنها عربية الأصول.

[38] ورغم جواز الكتابة بالألف القائمة مطلقاً في المقصورة إلى أن عبد الوصيف محمد حافظ في شرحه المقصورة وإعدادها للطبع حافظ على قواعد رسم الألف كما هي متبعة غالباً، انظر: مقصورة ابن دريد "الطبعة الأولى" شركة مصطفى البابي الحلبي، القاهرة. 1939م.

[39] أنظر: ملاحظة "رايت" ج2 ص11.

[40] انظر: السيوطي: المزهر في علوم اللغة وأنواعها "الجزء الثاني"، مكتبة محمد علي صبيح بميدان الأزهر، القاهرة، د. ت ص 178.

[41] انظر: مقال عبد العليم إبراهيم: "توحيد الرسم الإملائي" في كتاب تطوير تعليم اللغة العربية "بحوث مؤتمر الخرطوم- السودان – 1976.

[42]  نشرت المقالة في كتاب " مؤتمر أدب الأطفال لفلسطينيي الداخل " – مركز ثقافة الطفل الأسوار بدعم من مؤسسة دياكونيا السويدية، عكا – 2006، ص 67.

 

[43]  لا أرى - مع ذلك - غضاضة في استخدام أناشيد وكلمات معينة باللهجة الدارجة تكون مقبولة ومستساغة.

[44]  كتاب "بيت ميس" يلائم أطفال الرابعة-السادسة، ولكن القصة طويلة وتستخدم ألفاظًا أعلى من مستوى الحدث، نحو: خرير، تكورت، دمية، قذفتها.... ونجد نماذج أخرى في " قصة العيد الذي لم اشترك فيه"، وبالطبع فهذه مجرد أمثلة لا تنفي أهمية كل كتاب وكتاب أو تنكر الجهد الذي بذله هذا المؤلف أو تلك.