زيارة في مكتبة د. فاروق مواسي
مكتبتي ملأى بالأصوات ....
والكتاب متعتي ونزهتي
مع الكتب يعيشون ساعات طويلة ليخرجوا إلى الناس بفكرة جديدة وكنز ثمين. يضيفونه إلى ينبوع المعرفة ليفيدوا به الآخرين.
في هذه الزاوية نقوم بزيارة لمكتبة ويحاور صاحبها حول الكتب وأثرها في حياته.
عندما أشرفنا على منزل الشاعر الدكتور فاروق مواسي- المنزل الذي أحب أن يسميه الشاعر حنا أبو حنا"الزَّهراء" لرحابته وجماله وموقعه، لم يكن يدور بخلدنا أن مواسي الذي يتهمه الكثيرون بالتعالي في العلم والمعرفة يزين منزله بالآية الكريمة:"وقل رب زدني علمًا".
هكذا إذن هو يعترف بالنقص في المعرفة، وهكذا يبين لنا مدى اهتمامه وعشقه للعلم وتواضعه.
بعد الترحيب ، أخذنا نتصفح الكتب في المكتبة ، ونتعرف إلى ترتيبها ، وموضوعاتها ، وأخذنا نستفسر :
متى تجد الوقت للقراءة ، وأنت المنهمك في أمور كثيرة، وما هي عادات القراءة لديك:
- ساعات الصباح ، ولدى إعداد بحث، عندها تكون القراءة متواصلة عدا ساعات الليل ، فهي للراحة ، ولمسؤوليات.
قراءتي الحاسوبية كثيرة، وتكون في ساعات متفرقة.
كيف تختار الكتب :
بعضها بسبب مؤلفها الذي يروق لي ، وبعضها بسبب موضوعها الذي يهمني، وبعضها لأبحاثي.
* أنت تضيف يوميًا كتبًا لمكتبتك وفي حقول أدبية مختلفة، فما هي الكتب الخمسة الأخيرة التي أضيفت إلى مكتبتك:
أذكر لأدونيس : ليس الماء وحده جوابًا عن العطش ، واللغة العربية في عصر العولمة للدكتور أحمد الضبيب ، ومن الاحتمال إلى الضرورة للدكتور إبراهيم خليل ، وجفرا وقصائد أخرى لأديب رفيق، ومختارات من الشعر الإيراني الحديث.
* ماذا تقرأ اليوم :
أراجع كتبًا لأدباء أصدقاء .قبيل نشرها.
أقدم كتاب في مكتبتك من حيث سنة طباعته:
ثمة ضرورة للفحص ، ولكن ما أتذكره الآن : مسارح الأذهان لخليل بيدس، القاهرة -1924، وهو أول مجموعة قصصية في الأدب العربي – على مبلغ علمي.
المبدعون الذين تحب القراءة لهم :
هم كثيرون جدًا ، ولكني أحرص على امتلاك أي إنتاج لأدونيس، لمحمود درويش وعنه ، نزار قباني ، سميح القاسم ، البياتي ، عبد الصبور، أحمد حسين ، أحمد دحبور، سيد القمني، طه محمد علي، صلاح فضل ، بورخيس ، ريتسوس ، شكسبير ، ناظم حكمت، محمد نفاع ، وووو وعذرًا لمن نسيت اسمه وأنا أحب قراءته.
أي إهداء تعتز به من الكتب التي أهديت إليك :
أعتز بكتابين : الأول أهدانيه الشاعر الرائع صلاح عبد الصبور : مأساة الحلاج ، وقد كتب لي :
"إلى الأخ الكريم الشاعر الناقد الأستاذ فاروق مواسي مع خالص التقدير". 19/8/1980
والثاني من نزار قباني : في كتاب جمهورية جنونستان وبخطه الجميل المنمنم كتب :
"إلى صديقي الحبيب
الشاعر فاروق مواسي
مع أصدق مشاعري واعتزازي الكبير
10/7/1988"
أي كتاب تعاود الرجوع إليه :
بالإضافة إلى القرآن الكريم ، المعاجم المختلفة – لغوية وأدبية ، ديوان المتنبي .
كتاب تبحث عنه ولا تجده :
من الكتب التي أريد اقتناءها : كتاب ( يارا) لسعيد عقل ، حتى أدرس فكرته الغريبة العجيبة - بكتابة العربية بحروف لاتينية. والكتاب تجدونه في مكتبة الكونغريس ، ولا بد لمن يرغب بالحصول عليه إلا أن يقوم بتصويره من هناك .
أبحث عن كتاب عبد العزيز الأهواني : ابن سناء الملك ومشكلة العقم والابتكار.
وهناك مئات الكتب صدرت في العراق وفي المغرب العربي لا أستطيع الحصول عليها. ولكني لدى زيارتي لمعارض الكتب أجد بعضها.
وبعد ،
فلم يكن يدور بخلدنا أيضًا أن تكون مكتبته بهذا الحجم وهذه السعة-غرفة طولها عشرة أمتار، وعرضها أربعة، ومخزن بجوارها ، وتحتل الكتب جزءًا من غرفة العمل ، وكلها تمتلئ برفوف الكتب من الأرض حتى السقف، قد تصل الكتب والعناوين إلى خمسين ألف، والأهم أنها مرتبة حسب مواضيع وحسب تفريعات،هنا المجلات المجلدة- الآداب، نزوى، إبداع، الجديد، مواقف، المواكب، الشرق، الناقد،البيادر، الفجر الأدبي، فصول، القاهرة، الكرمل الفلسطينية، الكرمل الحيفاوية، مجلة النجاح للأبحاث، الأقلام العراقية، عالم الكتاب، الهلال والعربي وغيرها وغيرها كثير.
وهنا
الكتب التراثية ودواوين الشعر القديم... وكتب نادرة ذات قيمة أدبية رفيعة، كتب في
النحو واللغة، كتب فلسفية، تراثية، موسوعات،معاجم، كتب حديثة نقدية... ودواوين
الشعر الحديث- مجموعات كاملة- ودواوين الشعر المحلي مرتبة هجائيًا ، لا تكاد تجد
كتابًا ناقصًا من كتب سميح أو حنا أو جمال أو حسين مهنا أو نداء، أو شفيق أو أحمد
حسين... الخ وهناك مجموعات نجيب محفوظ... ومجموعات روائية... وأخرى مسرحية عربية،
وهناك المحليات. هناك الكتب المترجمة إلى العربية، وهنا الكتب باللغات الأجنبية،
العبرية، الإنجليزية والألمانية...
رحلة
..وطواف ...وانبهار ...وروعة.
كان الشاعر يقدم لنا القهوة ببسمته التي تصاحبه، وكانت تبدو عليه سيماء الاعتزاز والبشاشة. قلت سأسأله سؤالا أولاً، لابد أنه كان قد سُئله مئات المرات، وقد يكون سؤالاً ساذجًا:
· هل قرأت كل هذه الكتب؟
لم يرق له السؤال، فبالله كيف يمكنه أن يقرأ كل صفحة من هذه الكتب. أجاب :
- هذه المكتبة هي في الأساس مراجع ومصادر، وأنا أنتقي ما قد يلزمني في كتابتي وأبحاثي ودراستي وتدريسي، ولكن هناك كتب كثيرة جدًا قرأتها من الغلاف إلى الغلاف.
· ولكن متى بدأت بجمع الكتب؟ وهل أنت مؤسسة حتى تقتني ما اقتنيت؟
- بدأ أبي- رحمه الله- في شراء الكتب الأولى، حيث كان تاجرًا للأقمشة والألبسة، فعندما كانت تأتي البضاعة من يافا كانت تأتي معها بضعة كتب، عرفت منها في صغري روبنسن كروزو لديفو، وفقه المذاهب الأربعة والإمامة لابن قتيبة والعمدة لابن رشيق...
وفي سنة 1967 بدأت التهم الكتب قراءة وشراء، وذلك بعد أن تعرفت إلى مكتبة المحتسب في القدس ، والقطب في نابلس ، والطبري في طولكرم ، وعصفور في جنين... وزادت القراءة ...وزاد الشراء مع تأسيس مكتبة عباسي وتعرفي إلى معرض الكتاب في القاهرة.
لا تسأل كيف أشتري ومن أين؟ ففي كل سفرة أعود حاملاً معي رزمة..... الكتب هي غذائي ومتعتي ونزهتي.
· ولكن قد يظل كتاب واحد له أثر في نفسك، فما هو؟
- قد يعجب البعض إذ قلت إن القرآن-الذي حفظت أكثر آياته غيبًا- هو أستاذي الأول في اللغة، فقد قرأته كله وأنا صغير اثنتي عشرة مرة. كتاب اكتشف فيه دائمًا بعدًا لغويًا وبيانيًا جديدًا، وأنا أعجب بكتاب محيي الدين درويش"إعراب القران الكريم وبيانه"، وقد عرفت عن المؤلف من شاعرنا أحمد دحبور، فعند لقائي به في منتزه عبلين حدثني عن محيي الدين وعن طرائفه.
وكان أستاذي الثاني المتنبي وديوان شعره، وأتحسر لأنني لا أجد الوقت لحفظه أكثر، فقد حفظت ما يربو على خمسمائة بيت من قصائد له مختلفة، وهي رصيد لي يسعفني في أكثر من سياق أو مجال.
· هل تأثرت به في شعرك؟
- نعم، تأثرت به، وظهر ذلك جليًا في قصيدتي الأولى حيث قلت:
يا أبا الطيب أنصت روحك الصغرى تغني
لن يكون الشعر شعرًا دون أن يرقى بفني
إن شعري مسكرات من دنان الخمر دنـي
· لنعد إلى المكتبة، كيف تحس وأنت تعمل فيها؟
- أصدقك أنني أحس بالعلماء والأدباء أحياء، وما اصدق الشاعر الذي قال:
لنا جلساء ما نملّ حديثهم
ألبّـاء مأمونون غيبًا ومشهدا
يفيدوننا من علمهم علم ما مضى
ورأيًا وتأديبًا ومجدًا وسؤددا
وهذا الإحساس لازمني كذلك في أثناء كتابتي قصيدة"أغنية إلى الإنسان بابلو نيرودا"(ديوان غداة العناق) قلت في وصف موته، وكأني أتخيل مكتبته:
من يتساقط
فرماد وحديد ولهيب من جمرات
في مكتبة ملأى بالأصوات
· هل تعير كتبك؟ متى؟ وهل ترجع الكتب إلى مقرها؟
- أصدقك أنني أعرت الكثير ولم يرجع، ولكن هذا لا يمنعني من تزويد طلاب الماجستير والدكتوراة على وجه الخصوص بالمراجع المطلوبة، فهذه مسؤولية، وأنا مضطر إلى أن أقوم بها على المستوى الأخلاقي والاجتماعي. أما طلاب الشهادة الأولى فبعضهم يزورني، خاصة وقد خصصت بجانب المكتبة-غرفة ضيافة خاصة للمطالعة والتلخيص، وكنت أتمنى أن تكون لدي ماكنة تصوير ليصور من يشاء ما يشاء.
· هل توافق قول الشاعر:
فمعشوقي من الدنيا كتابي
فهل شاهدت معشوقًا يعار
- لا أوافق على الشق الثاني فيما يخص الكتاب. أما انه معشوق فوالله هذا صحيح، فالكتاب بالنسبة لي سرج السابح، وهو أعز مكان وخير جليس، وأقرأ ما يقوله الجاحظ عن الكتاب في كتابه"الحيوان". حتى ترى مدى هذا الحب للسِّفر. وأقول اليوم: لقد كتبوا فدرسنا، ونكتب فيدرسون.
- فهمت أن مكتبتك معدة أولاً لأبحاثك ودراساتك ، فكيف تختار المصادر ؟
- أتصفحها أولاً، وأعرف موادها والفهرست ومبناه ، وأسأل نفسي إن كان هذا الموضوع يهمني أم لا ؟ فإذا كان الجواب سلبًا فإنني لا أمتلك الكتاب حتى ولو مجانًا، وإذا كان الجواب إيجابًا أقتنيه وبأي سعر ، وإذا ترددت وكنت بين بين فإن سعر الكتاب يقرر اقتنائي أو عدمه ...
- كم ساعة تخصص يوميًا للقراءة ؟
- معدل قراءتي خمس ساعات ( ولا أقصد ساعات الحاسوب فهي كثيرة )،وهي تتضمن قراءة الصحف والمجلات الأدبية الكثيرة التي أكتفي بمعرفة مضامينها للإفادة منها مستقبلاً ...ويعلم الله أنني أكثر المتابعين للإصدارات المحلية ، ويندر الكتاب المحلي الذي ليس له مكان في مكتبتي ، ويندر الأديب الواعد الذي لا أعرفه إما عن طريق الورشة الأدبية التي أقمتها وشجعت فيها الكتابة الجديدة ، وإما عن طريق الصحف ...
- رأيت كتبًا عبرية كثيرة ، هل لك أن تحدثنا عن مضامينها ؟
- إن أكثرها إهداء من أدباء عبريين ، ولي علاقات وطيدة مع كثير من أرباب الكلمة، خاصة وأنا أشغل منصب نائب رئبي نقابة الكتاب في إسرائيل. وأعتز باهتمامهم بآرائي وملاحظاتي رغم تباين قراءاتنا، وأكثر ما يعجبهم بي طريقة إلقائي للشعر باللغتين، فهم يغبطوننا على إيقاع الشعر العربي ...ينصتون وكأنهم في عالم سحري باهر .
- معروف أنك ناقد وشاعر ، بل إن المرحوم عصام العباسي سماك ( كشاجم ) – في مجلة الحصاد ، وكل حرف من اللقب يدل على صفة ، وهي على التوالي : كاتب ، شاعر ، أديب ، جواد أو جامعي ، مؤلف ؛ وفعلاً أصدرت في الأنواع المختلفة ...ألا ترى أن هذا يبعدك عن التركز في ميدان ما ؟
- أنا أكتب بصدق ما أحس، ولا يهمني اللون الأدبي، فليكن الأصل هو النص أو الكتابة ، وليكن اهتمامنا بما يقال أولاً وأخيرًا ...وقد أفاجِئ إذا قلت إن لدي رواية هي ( الحب البعيد ) كتبتها ولم أنشرها ، بسبب عدم اقتناعي بمستواها ، فأنا قبل كل شيء ناقد ، فعلي بنقد الذات قبلاً ، وطبيعتي النقدية تتأتى مقالة وشعرًا وتعليقًا وملاحظة ...وأما إحساساتي فتنطلق شعرًا ، وقد يكون هذا ضمن دائرة النقد الشعوري .
- أصدرت ما يربو على الخمسين كتابًا ، فهل لديك نسخ من إصداراتك الأولى ؟
- أصدقك لا ، رغم أننا كنا أولاً نطبع ألف نسخة من كل كتاب ، ولكن كان هناك من يحفل بالكتاب ، من حزب أو مؤسسة أو أصدقاء ....أما اليوم فمعدل ما يُطبع خمسمائة ، ورغم أن عدد القراء ازداد بالضرورة إلا أن الإقبال على كتبنا قد انحسر ...
- كيف ترى علاقة الصحافة في العالم العربي مع كتابنا ؟
- إنها علاقة المـنّ ، فإذا نشرت ( أخبار الأدب ) القاهرية لأحدنا فذلك من باب أنهم ( من فوق )، ويجدر بهم مراعاتنا بين الوقت والآخر ، ربما لأننا فلسطينيون ، وربما للتنويع الآني ...أشعر أنهم – عامة – يعاملوننا بكثير من التعالي والأستاذية.
هناك مجلات كثيرة نشرت فيها في العالم العربي وبمحدودية قرروها هم.
- وكيف صحافتنا في البلاد ؟
- كنت أنشر في إحدى الصحف فإذا هناك من يسيء إلى مادتي تأخيرًا أو مونتاجًا أو ...والأنكى من ذلك أن أحد المحررين أضاف جملة على مقالة لي وهي من بنات أفكاره التي لا أوافق عليها .....
وهناك صحيفة أخرى يشترط محررها علي أن أرسل له بمادة مختصرة ، فهو لا يخصص لي صفحة ولو كتبت ما كتبت، وهناك صحيفة هزيلة تنتفخ عبثًا حتى تبدو سمينة ، وما درت أن هناك من ينشد :
أعيذها نظرات منك صادقة أن تحسب الشحم في من شحمه ورم
- وما هو مشروعك لسنة 2009 ؟
- - أولاً أن أصدر ديوانًا شعريًا (أحب الناس) حصيلة السنوات الأخيرة ،كما أن مجموعة شعرية بالعبرية ستصدر لي تحت عنوان : أحزان وقصائد أخرى، وهي ترجمة لقصائد لي كتبت بالعربية، وستصدر دار الهدى كتابي " قراءات في شعر محمود درويش "، كما سيصدر في رام الله ضمن سنة القدس كتابي " القدس في الشعر الفلسطيني الحديث – طبعة مزيدة ومنقحة"
- - في نهاية الزيارة يحضرني قول سأتصرف فيه : يا فاروق أنت فيك الكتاب،ومن قلمك الكتاب، وإليك الكتاب ...
- - الشكر الأوفى ...فأنا لا أتصور أي عالم آخر أعيش فيه دون كتاب حتى ولو كان جنة .